16 سبتمبر 2025

تسجيل

السلم وبناء الحضارة الكونية

21 يونيو 2014

قال صاحبي: إن السلم من مقاصده أنه يحقق التقارب الحضاري بين مختلف الثقافات، والتعايش السلمي بين مختلف الأديان، ويشكل الأرضية الخصبة للارتقاء والتقدم، ولما كان السلم يقوم في جوهره على التقارب الثقافي بين المجتمعات وينهض على نبذ الكراهية والفرقة والتعصب والصراع والتصادم، فإن ما يروجه بعض الدارسين من أن "صراع الحضارات" هو مصير العلاقة المستقبلية بين الشعوب كتعبير عن صورة متطرفة مضادة للتصور الإسلامي للعلاقات بين الشعوب وتأسيس للصراع الأزلي بين الناس.والحضارة الإسلامية باعتبارها ذات طابع إنساني، فإنها ترفض الانغلاق وتدعو إلى الانفتاح على الآخر، والتسامح هو أحد أركان الانفتاح ولا يمكن أن يحقق أهدافه الحضارية والثقافية، إلا إذا استندت العلاقة القائمة بين الشعوب إلى ركن أخلاقي متين، يتمثل في ضرورة قيام التعامل بين الدول والمجتمعات على مرجعية أخلاقية مشتركة، تقر بمبدأ الندية في التعامل في كنف الاحترام المتبادل والمتكافئ، حتى لا يصبح التسامح ضربا من الابتزاز والتظالم.فحوار الحضارات في جوهره رؤية استشراقية تؤسس لمستقبل أكثر اطمئناناً وتقر مبادئ التسامح والتعايش السلمي والتضامن والاستقرار العالمي، منطلقه من المبادئ الإنسانية التي تدرك طبيعة التنوع البشري وتتعامل بإيجابية وانفتاح مع الألوان الثقافية والحضارية، فهو حوار بين كافة الثقافات والحضارات والشعوب، أما القول بصدام الحضارات الذي يرد على لسان بعض المفكرين، فإنه تدمير لهذه الرؤية وتدعيم للعنصرية، فالإسلام لا يعرف صراع الحضارات ولا نهاية التاريخ، بل ينادي بالتفاعل الحضاري على أساس الندية والمشاركة الفعالة في الإنجازات الكونية، مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية وإقرار حق الاختلاف بين الشعوب.وهذا ما ينبغي أن نستمد منه عناصر قوتنا وتوظيفه لصالح مجتمعنا بنشر الكلمة الطيبة والسلوك الحضاري القويم، اقتداء بالمواقف النبيلة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن دول الخليج قد جعلت من قيم الإسلام السمحة التي جاءت بها الرسالة المحمدية معينا تنهل منه، فأضحت قيم التسامح والتضامن والعلم والعمل سجايا الخليجيين، يقول الشيخ زايد رحمه الله: "إن الدين الإسلامي دين حضاري سمح أكرم الإنسان وقدره حق قدره، علينا كمسلمين أن نفخر ونعتز بهذا الدين لعزته وقوته، بما يحقق لأمتنا من تماسك وتضامن".ومن هذا المنطلق تصبح المثقافة الأسلوب الأكثر تحضراً في التعامل بين الشعوب، لأنها ترجمة حقيقية للرغبة في التعايش السلمي، فهي اطلاع على ثقافة الآخر، وتطلع إلى التعايش معه على أساس الحوار والاحترام المتبادل بين الثقافات والتقاليد، فالمثاقفة هي مشروع بديل لصدام الحضارات، الذي يروج له كثير من المفكرين الغربيين، أو إلغاء الآخر الذي يتبناه كثير من المنتسبين للإسلام، والنموذج لا يدحضه إلا وضع نموذج بديل، فلا هي دعوة إلى إلغاء الثقافات الأخرى، ولا هي فرض الثقافات الأخرى على المجتمعات الإسلامية، ولكنها تحاور وأخذ وعطاء، فهي عملية سلمية تتم بالتراضي، بغية الارتقاء بالإنسان وإشاعة قيم الخير والأمن والسلام في الكون، فالناس إخوة والقيم عموماً من حيث المنطلق إنسانية، تستند إلى فطرة الإنسان وطبيعته فلا مجال للحروب الأهلية والنزاعات العرقية وتنامي الكراهية والبغضاء بين بني آدم.أما الصدام الثقافي فهو تنافر وتصادم بين ثقافتين إلى حد الرضوخ بخصاص الثقافة الأقوى، أساسه اقتناع أصحاب هذا المشروع بوجود فروق جوهرية وأساسية بين الثقافات، وتمايز الواحدة عن الأخرى بالتاريخ واللغة والتقاليد والأهم الدين، وحتى نتجنب مخاطر الصدام الذي قد يوصلنا إلى مرحلة التباعد والذوبان الثقافي أو الانغلاق والجمود، ليس أمامنا إلا الانفتاح على ثقافات العالم، لأن الانغلاق يؤدي إلى التهميش وتقبل الوافد من منظور نقدي بمقارنته مع موروثنا، ومن ثم قبوله أو رفضه، ومن استوعب ثقافة قوم عرف قدرهم وفهم سر حضارتهم وسبب قوتهم وضعفهم، خاصة أن المثاقفة في العصر الحديث أصبحت عملية متاحة لعموم الناس؛ نظراً للتطور الهائل الذي حصل في مجال الاتصالات والمواصلات.بالله التوفيق.