18 سبتمبر 2025

تسجيل

الخرطوم ترفع (عصا) الانتخابات

21 يونيو 2014

لعل أكثر ما يثير هواجس القوى السياسية المعارضة في السودان بشأن الحوار السياسي، إصرار الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة الرئيس عمر البشير على قيام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال أقل من عام.. القوى السياسية تطالب بمشاركة حقيقية في الانتخابات وهذا الأمر يتطلب الاستعداد الكافي، بل المشاركة في وضع القوانين والتشريعات المنظمة لهذه الانتخابات.. أمس الأول أجاز مجلس الوزراء السوداني، مشروع قانون الانتخابات القومية تعديل سنة 2014م.. القانون المعدل وضع في العام 2008 وتم العمل به في آخر انتخابات أبريل من العام 2010.. القانون نفسه والتعديل اللاحق شرّع بمعزل عن القوى السياسية التي يراد لها المشاركة في الانتخابات وقبل ذلك الحوار الوطني.. من ينظر إلى التعديلات التي تم إدخالها ربما يجد مبررا لهواجس القوى السياسية؛ فهذه التعديلات تضمنت إتاحة الفرصة للقوات النظامية والرحل، للمشاركة في العملية الانتخابية دون التقيد بفترة الثلاثة أشهر المحددة في القانون للإقامة في الدائرة الانتخابية المعنية.. حتى لو كانت التعديلات موضوعية فإن المعارضة لن تنظر إليها إلا بعين الريبة والشك، ولذا فإنها تأتي في سياق غير موات، بل تزيد من تعقيد الأمور ولا تساعد على بناء الثقة بين الطرفين.الأمر المقلق أن الحكومة والمؤتمر الوطني ينظران إلى الانتخابات باعتبارها بديلا للحوار، وهي وفقا لمساعد الرئيس السوداني ونائبه في رئاسة الحزب (عصا) ترفع في وجه القوى السياسية إن رفضت الحوار.. إبراهيم غندور دعا قوى المعارضة للتمسك بالحوار باعتباره لا سبيل غيره، وأن البديل الآخر هو المضي إلى الانتخابات إن رفضت الأحزاب الحوار.. وهذه مفارقة مدهشة ومؤشر لطريقة تفكير لا تساعد على إنتاج حلول سياسية لمشكلات البلاد المستعصية.وليعلم المؤتمر الوطني الحاكم أن الانتخابات هذه المرة تواجه ظروفا مختلفة تماما عن ظروف آخر انتخابات.. فانتخابات 2010 وجدت دعما دوليا، لأنها كانت الأولى بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل التي جاءت بالحركة الشعبية المتمردة في جنوب البلاد شريكا في الحكم.. وجاءت في إطار فترة انتقالية أرادت لها القوى الدولية أن تمر بسلام حتى يجري استفتاء أبناء الجنوب بشأن الانفصال.. لذا غُضّ الطرف عن الكثير، بل تم توفير الدعم المادي المطلوب لإقامة الانتخابات.. سياسيا لم يطرح سلفا كير رئيس الحركة الشعبية نفسه مرشحا للرئاسة منافسا للرئيس البشير، بل دفعت الحركة بمرشح آخر انسحب فيما بعد من منافسة البشير.. أما اليوم فإن المجتمع الدولي لا محالة سوف يشكك في مصداقية هذه الانتخابات وبالضرورة ستواجه الاستحقاقات المادية تحديا كبيرا ولا يبدو أن للحكومة السودانية أي خطط لتمويل هذه الانتخابات المكلفة.. لاشك إن وضعت الخرطوم في اعتبارها هذه المعطيات الماثلة فإنها لا يجب أن تصر على إقامة الانتخابات تحت أي ظرف ورغما عن أنف القوى السياسية الأخرى. على المؤتمر الوطني الحاكم وهو يكمل خلال أيام حكما للبلاد بلغ ربع قرن من الزمان أن ينتبه لمظاهر الفاقة في الشارع السوداني وهي ناقوس خطر وإشارة حمراء يجب التوقف عندها مليا.. لقد كان هناك أثر سلبي بالغ لانفصال الجنوب في يوليو من العام 2011 وهو بيدي لا بيد عمرو، إذ فقدت البلاد حوالي (70%) من عائدات النفط.. مما اضطر الحكومة إلى تبني (روشتة) البنك الدولي النمطية باعتبارها (بلسما) و(ترياقا) للأزمة الاقتصادية التي صنعها سوء التخطيط وقصر النظر والعجز عن إدارة عوائد النفط، فضلا عن البذخ السياسي اللامحدود.. حتى تلك اللحظة كان الشعار (لن يحكمنا البنك الدولي) شعارا برّاقا.. شعار يحكي احتفاءً وولها بالإرادة الوطنية واستقلال القرار الوطني. الذين استمعوا لبيان الانقلاب الأول الذي تسلم بموجبه الرئيس البشير حكم البلاد ربما يعايشون اليوم أوضاعا مماثلة لتلك التي برر بها الانقلاب.. فقد أشار البشير إلى أن ما دعاه إلى تسلم السلطة.. في ذاك البيان جاء: (مؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحا لإخراج قرارات السادة)، اليوم يرى أولئك أن مؤسسة مثل البرلمان لا هم لها إلا الموافقة غير المشروطة على قرارات الحكومة، مثل القرارات الاقتصادية الأخيرة التي صفق لها النواب.. كذلك جاء في ذلك البيان: (لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور، ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية، مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطن الحصول على ضرورياته، إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها، مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة، وهذه حالة ماثلة اليوم.. في ختام البيان ورد: (لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء، فشردتهم تحت مظلة الصالح العام، مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية، ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سببا في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الإداري وضاعت بين يديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام، ومسألة الإحالة للصالح العام سياسة اعتمدتها الحكومة الحالية حينا من الدهر في مقابل سياسة التمكين التي تكون الأفضلية في المواقع المختلفة لأهل الولاء دون النظر إلى الكفاءة.