16 سبتمبر 2025

تسجيل

غاب العرب وحضر البائعون

21 يونيو 2014

الحدث العراقي مؤخراً كشف جلياً حقيقة ما تتجه إليه الأمور في المنطقة، على نفس القدر الدور العربي الغائب عن مائدة بيته التي يأكل عليها الجميع!! الحدود التي رسمها الاستعمار مطلع القرن الفائت بدأت تتهاوى تدريجيا، وإعادة رسم الخارطة للمنطقة بات أكثر واقعية وجدية من أي وقت مضى.. كيف ذلك؟ في العراق لا شك أن السنّة يعانون الإقصاء والتهميش، ويعاقبون عن كل فعل مارسه الراحل صدام حسين بحق الشعب العراقي الذي لم يكن يميز بين سنة وشيعة وكرد.جهات خارجية زرعت في ضمير ووعي الشيعة العراقيين أن صدام حسين كان رمحا سنية يخترق صدورهم كل يوم.. هل كان الأمر كذلك؟ قطعاً لا، فأغلب رجال صدام كانوا شيعة، ولمن أراد التأكد يستطيع أن يراجع أسماء أغلب قياداته العسكرية والسياسية.الأمر نفسه يقال لشيعة البحرين والسعودية كما يقال لسنة سوريا ولبنان، في حين أن الثابت في التاريخ قديما وحديثا لا تفرق الديكتاتوريات الفردية والنظم المستبدة بين طرف وآخر على أساس ديني أو عرقي أو فئوي. وإنما جحيمها ونعيمها يأتي وفق اعتبارات الولاء لها ولمشروعها، ولإجهاض ولادة أو تشكل جبهة مضادة مهددة لمشروعها تعزز وتغذي النعرات المذهبية والعرقية بأساليب تختلف بحسب الظروف والضغوط ودرجة التهديد.. انظر إن شئت في حال أغلب الدول العربية اليوم، ستجد جوابا لا شك.!جبهتان الآن تعملان على إزالة الحدود "سايكس- بيكية" دون كلل أو ملل، وللجبهتين رؤيتان مختلفتان تماما. كلاهما يعملان على تجريف الحدود بين الدول، لا يهمّ على أي أسس ستزول وترسم من جديد، المهم هو كثرة الخطوط وتداخلها التي تؤيد إلى أكبر قدر من الاختلاف والتمييز والتشظي. الجبهة الأولى دولية وإقليمية تعزز النعرة الطائفية في المنطقة والهدف مزيد من التقسيم على أسس الاختلاف والتنوع أيا كان شكل هذا الاختلاف، في مصر مثلا النوبيون تدغدغ أحلامهم بإنشاء دولة لهم وهناك مخططات وسيناريوهات نوقشت لبناء دولة قبطية. في السودان المخطط كان متقدما وبالغ الوضوح، ولعله من أوائل الدول العربية التي خضعت سريعا. تقسيم الجنوب على أساس ديني، ومن ثم محاولة تقسيم دارفور وكردفان على أسس أخرى.. في ليبيا يكثر الحديث عن المنطقة الشرقية (بنغازي وطبرق) والمنطقة الغربية (طرابلس وما حولها) والمنطقة الجنوبية (الفزّان وبني وليد). في سوريا الحديث مستمر منذ ثلاث سنوات، أما في لبنان فلم يتوقف الحديث عنه يوما ما. من المعلوم أن البحث عن المختلف فيه بين الشعوب يكشف المزيد من الاختلاف ويسرع من عملية التمايز ويزيد من عجلة الانقسام. في اليمن، هناك من يشجع انفصال الجنوب عن الشمال، وهناك من يدعم الجنوبيين بالمال والسلاح للاستقلال عن الدولة.. الأمر نفسه يحصل مع الحوثيين في الشمال على اعتبار أنهم زيديون، علما بأن الحديث عن الحوثيين والزيديين كأنهم شيء واحد أو اسمان لمسمى واحد يكشف حقيقة هذا الربط وخلفيات التمويه، ومعروف أن علي عبدالله صالح زيدي، كبير علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني زيدي، حميد الأحمر زعيم حركة الإصلاح زيدي.. والحبل على الجرار. الجبهة الثانية داعش، هي تزيل الحدود لتخلق دولتها العابرة للدول على أسس طائفية طهورية جدا، تسميها الدولة الإسلامية في العراق والشام وشعار المتحمسين لها "باقية وتمدد". إزالة الحدود لإحداث مزيد من التقسيم على أسس عرقية وطائفية وجهوية ودينية، في معادلة تتشظى الدولة المركزية في الشرق الأوسط وتصبح مراكز الجذب خارجية لا داخلية أمر يجري تطبيقه بحماس. وهو ما يعزز ويضمن عملية التبعية التامة لخارج المركز ويسرع عملية التفتيت في الداخل.. المعركة كلها اليوم تجري على أرض عربية وبمال عربي وسواعد عربية في أغلبها والهدف هو تدمير السقف على أهله بيد أبنائه.. هل ما يحدث خلاف ذلك؟إيران لها مطامع في العالم العربي، وهي لا تقف عن تقديم نفسها حامية وناطقة ووصية على الشيعة العرب وغير العرب خارج دائرة حدودها السياسية، لتركيا أيضاً هواجسها وتطلعاتها، وكلا البلدين يعيشان نفس الفسيفساء العرقية والمذهبية التي تعيشها الدول العربية.. إلا أن الرؤية لإستراتجية وقوة الدولة وعمرها المديد كفيلان بحمايتها ولو مرحليا من التشظي، لكن إلى متى؟ لا أحد يقدر على الجزم.. بكل الأحوال، الانقسام أيا كان نوعه يجعل من إسرائيل الدولة الأكثر تماسكا وتوحدا، ستكون أشبه بالنواة غير القابلة للانقسام على نفسها، في حين أن المحيط من حولها دائما يحمل بذور الانقسام على الذات المولد لمزيد من الاختلاف والتباين.. باختصار.. الجميع من حولنا يدرك اللعبة ويعرف كيف يتعاطى معها باستثناء العرب، لأن العرب منشغلون بالقضاء على ربيعهم قبل أن يزهر.