17 سبتمبر 2025
تسجيلتعددت في سورة البقرة صيغة (كتب)، فجاءت (كتب عليكم القصاص) ثم (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت..) وبعدها (كتب عليكم الصيام) ثم آية (كتب عليكم القتال) ولاحظ التنسيق العجيب في الكتاب العزيز حيث إنّه ما كتب القتال إلاّ بعد تهذيب الأرواح بالصيام لأن الإسلام العظيم حريص على الأنفس والأرواح والدماء > وحتى لا يتحول الناس بحمل السلاح إذا لم تتهذب الأرواح، إلى وحوش ضارية، كالذي تراه من الذين حملوا السلاح دون أن تتهذب نفوسهم وطباعهم وأرواحهم وتزكو أخلاقهم فيقتلون بلا رادع ولا وازع، فتأمل حكمة الباري سبحانه! وفي رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الأسوة والقدوة ؛ حيث لم يكن - صلوات ربّي وسلامُه عليْه - في جَميع غزواتِه وسراياه بادئًا بالقتال، أو طالبًا لدنيا، أو جامعًا لمال، أو راغبًا في زعامة، أو موسعًا لحدود دولة أو مملكة، بل كلّ ذلك كان هداية للنَّاس، ورفعًا للظُّلم، وربطًا للنَّاس بربِّ العالمين. وقد أحصى علماء السيرة النبوية ما أُريق في جَميع الغزوات والسَّرايا والبعوث التي بعثها النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الَّتي استغرقت تِسْعَ سنوات - فوجدوها أقلُّ دمٍ عُرِف في تاريخ الحروب والغزوات، فلم يتجاوزْ القتلى 1018 قتيلاً من الفريقين، وكانت حاقنة للدماء وعاصمة للنُّفوس وباسطة للأمْن والسَّلام والسَّكينة والطُّمأنينة في أرْجاء العالم. في حين سنجِد أنَّ نتيجة الحرب العالمية الأولى والثانية بلغت عشرات الملايين من القتلى فضلا عن الجرحى والمشوهين. ولم تخدم هاتان الحربان - كما يعلم الجميع - مصلحةً إنسانيَّة، ولم يستفِد منهما العالم البشَري في قليلٍ أو كثير. لهذا؛ فإنَّ كلمة الحرب إذا أُطلقت في عصورنا ذكر معها الخرابُ والدَّمار، واستِباحة الحرمات، ونشْر الفساد والانْحلال والانطِلاق من كلِّ الرَّوابط الإنسانيَّة ولكن حروب النَّبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين كانت حروبًا فاضِلة تظلُّها التقوى، فلا يقتل إلاَّ مَن يقاتل بنفسه أو بتدْبيره. أما الصائمون فيتربون على الرحمة التي جعلها الله الغاية من الرسالة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).