31 أكتوبر 2025
تسجيلبدت التصريحات المصرية الرسمية متضاربة خلال الساعات الأولى لخبر فقدان الطائرة المصرية القادمة من فرنسا إلى القاهرة صباح الخميس الفائت. شركة مصر للطيران على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" نقلت عن مصدر مسؤول، أنه قد "تم الإبلاغ عن طريق البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة باستقبال رسالة استغاثة من أجهزة الطوارئ بالطائرة" لكنها عادت ونفت الخبر عقب تأكيد الناطق باسم القوات المسلحة المصرية عدم استقبال أي رسائل استغاثة من الطائرة المفقودة. ثم جاء تصريح وزير الطيران المصري، شريف فتحي، الذي رجح فرضية الإرهاب في قضية الطائرة متزامنًا ومتفقًا مع تصريحات رئيس هيئة الخدمات الأمنية الفيدرالية الروسية، ألكسندر بورتنيكوف الذي رجح أن "الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابي" بحسب ما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية. الملاحظ هنا أن الموقفين الروسي والمصري سارا على خلاف ما تعاملا به مع حادث سقوط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في نهاية شهر أكتوبر الماضي وعلى متنها 224 مسافرًا بسبب عمل إرهابي حيث استمرت مصر على نفيها وجود أي عمل إرهابي رغم التأكيدات البريطانية والأمريكية. ثم جاء الاعتراف الروسي بعد التحقيقات التي أجراها بوجود عمل تخريبي، علمًا بأن تنظيم الدولة بعد ساعات قليلة من سقوط الطائرة تبنى العملية زاعمًا أنه زرع قنبلة موقوتة داخل جسم الطائرة. وكان أوضح اعتراف مصري بمسؤولية الإرهاب عن سقوط الطائرة حديثا عرضيا للرئيس السيسي حين قال إن العمل كان يهدف لتخريب العلاقات بين مصر وروسيا.نحن اليوم أمام حالة مشابهة تمامًا لكن تغيرت طريقة إدارة الأزمة فيها. مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي استبعد فرضية العمل الإرهابي. وكذلك فرنسا التي نفى وزير خارجيتها وجود أي مؤشر على الإطلاق حول أسباب تحطم الطائرة. أما روسيا فقد سارعت وكذلك مصر على ترجيح الفرضية الإرهابية. بل نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن قناة "زفيزدا" الروسية، أن "تنظيم داعش تبنى إسقاط الطائرة المصرية، وهدد بشن هجمات أكثر تدميرا خلال بطولة أوروبا لكرة القدم في فرنسا".هناك عدة علامات استفهام حول الموضوع: ما دوافع مصر وروسيا في ترجيح فرضية العمل الإرهابي ابتداءً؟ ما هي المصادر التي اعتمدت عليها وكالات الأنباء الروسية لتحميل تنظيم الدولة المسؤولية؟ لماذا فرنسا والولايات المتحدة استبعدتا مبدئيًا فرضية الإرهاب؟ تنظيم الدولة لم يصدر بيانًا بشأن الطائرة رغم مرور ساعات كافية على الحدث. فمواقع التنظيم على الإنترنت وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي معروفة، وكذلك معرفات "ولاية سيناء" فرع التنظيم في مصر والذي سبق أن تبنى إسقاط الطائرة الروسية. وإذا كان من الممكن أن يتأخر التنظيم في إعلانه المسؤولية إلا أنه من المستبعد تمامًا أن يقف وراء الحادث دون أن يعترف بذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه: على ماذا اعتمدت وسائل الإعلام الروسية في أن تنظيم الدولة تبنى هذه العملية؟الطائرة قادمة من المطارات الفرنسية، وترجيح فرضية الخلل التقني يُوقع المسؤولية على مصر صاحبة الشركة في حين أن فرضية العمل الإرهابي ستوقع المسؤولية على فرنسا حيث سيبدو أن خللا أمنيا كبيرًا يعيشه مطار شارل ديجول الفرنسي. روسيا تسعى منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا إلى جرّ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للوقوف خلفها ومساندتها وحملهم على تبني رؤيتها للحل في سوريا والمنطقة. وهي لا تعدم وسيلة في مناكفة الغرب سياساته وتحميله مسؤولية تمدد الإرهاب في المنطقة والعالم. وترجيح فرضية الإرهاب وتوظيف وسائل الإعلام في الترويج لهذه الاستنتاجات السريعة وغير الدقيقة يصب في صالح المناخ العام الذي تسعى له. ربما خلال الأيام القليلة القادمة تكون الحقيقة قد اتضحت بخصوص الطائرة المنكوبة لكن التوظيف السياسي للحدث رغم حجمه الإنساني الكبير سيبقى سيد الموقف حتى ذلك الحين.