17 سبتمبر 2025
تسجيلتمر تركيا بمرحلة استثنائية من تاريخها. فخلال الأشهر الماضية بلغت حدة المعارك بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني ذروات من العنف بحيث لا يمر يوم دون أن يسقط العديد من القتلى في صفوف الجيش التركي وقد قدرت الأرقام أن حوالي خمسمائة جندي وضابط قد سقطوا حتى الآن منذ بداية يوليو 2015. كذلك فقد شهدت تركيا تفجيرات غير مسبوقة عبر تاريخها في إسطنبول وأنقرة وديار بكر وغيرها من مدن تركية. وذهب ضحيتها العشرات بل المئات من الضحايا.مع ذلك فإن ما تشهده تركيا على الصعيد السياسي هو أيضا غير مسبوق. فمنذ أن انتخب رجب طيب أردوغان، وكان رئيسا لحزب العدالة والتنمية ورئيسا للحكومة، رئيسا للجمهورية في العاشر من أغسطس 2014، تغير جدول أعمال تركيا.قال أردوغان إن كونه أول رئيس للجمهورية ينتخب من الشعب يرتب تغييرا في الصلاحيات. والمعروف أن الدستور التركي يجعل مركز القرار والثقل للسلطة التنفيذية بيد الحكومة ورئيسها فيما صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة وإن كانت تعتمد على شخصية الرئيس لتفعيلها أو محاولة القيام بدور يتجاوز صلاحياته.ولقد عمل أردوغان طوال الفترة التي تلت انتخابه رئيسا للجمهورية على تهيئة الرأي العام لتعديل الدستور وتحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي. وذلك لكي يحصر الصلاحيات دستوريا بشخصه بل أيضًا ليكون رئيس الجمهورية حزبيا ورئيسا لحزب وهو ما يمنعه الدستور الحالي. أردوغان مارس بحكم الأمر الواقع مهام رئيس في نظام رئاسي. لم يكن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو عقبة أمام ذلك. كان منسجما بصورة شبه كاملة مع نهج أردوغان.مع ذلك كان أردوغان يريد رئيسا للحزب والحكومة أكثر انسجاما معه من داود أوغلو الذي كان يتحفظ على إقامة نظام رئاسي.استبعاد داود أوغلو تم إظهاره بطريقة تحفظ كرامته إذ أعلن داود أوغلو أنه سينعقد مؤتمر للحزب في 22 مايو، أي غدا الأحد، لانتخاب رئيس جديد للحزب لأنه قرر التنحي وعدم الترشح من جديد.لذا فإن مؤتمر حزب العدالة والتنمية غدا الأحد سيكون محطة فاصلة بين مرحلتين.المؤتمر سوف يحمل رئيسا جديدا للحزب وبالتالي للحكومة. لكن الكلام الكثير الذي ينشر في تركيا يعكس أن القيادة الجديدة للحزب سوف تكون ميزتها الأساسية الانسجام الكامل مع أردوغان والسعي بكل ثقلها لتعديل النظام السياسي. أي أن هذه القيادة قد تكون الأخيرة قبل أن يعدل الدستور ويعود أردوغان رئيسا للحزب وللجمهورية في الوقت نفسه فيما قد يلغى منصب رئيس الحكومة أو يبقى شكليا وليتحول أردوغان إلى الزعيم المطلق لحزب العدالة والتنمية ولتركيا.لكن الوصول إلى هذا الهدف قد لا يكون سهلا كما قد يظن البعض داخل تركيا أو خارجها.فالحزب لا يملك أكثرية الثلثين الضرورية لتعديل الدستور في البرلمان كما لا يملك 330 نائبا الضرورية لتحويل أي اقتراح لتعديل الدستور إلى استفتاء شعبي.يملك الحزب 317 نائبا وبما أن رئيس البرلمان لا يصوت وهو من حزب العدالة والتنمية فإن الحزب يحتاج على الأقل 14 نائبا لينال موافقة البرلمان على تحويل تعديل الدستور إلى استفتاء شعبي.ضالة الحزب هي في أن ينال الاقتراح تأييدا من بعض نواب حزب الحركة القومية الذي يملك أربعين نائبا.ربما ينال الحزب ضالته وربما لا. وفي حال لم ينجح في ذلك فستكون الانتخابات النيابية المبكرة هي الطريق الوحيد الحتمي لمحاولة تحقيق هذا الهدف. وهي طريق أيضا غير مضمونة. لكن في ظل الخلافات داخل حزب الحركة القومية على زعامة الحزب وفي ظل احتمال رفع الحصانة النيابية عن نواب أكراد مما يؤدي إلى إضعاف حزب الشعوب الديمقراطي الكردي فإن السيناريو الذي يرسمه أردوغان قد يصل إلى خواتيم سعيدة. مع ذلك فإن باب المفاجآت المضادة غير مستبعد.