10 سبتمبر 2025
تسجيللفت انتباهي عنوان في إحدى الصحف يقول: "عين العالم على فوائض ميزانيات دول الخليج"، الأمر الذي يذكرني بالمطامع الاستعمارية القديمة في ثروات الشرق بعد الثورة الصناعية في أوروبا ورحلة البحث عن الموارد الطبيعية الرخيصة والاستيلاء عليها عنوة تحت مظلات وقبعات مختلفة الأشكال ولكنها متوحدة في الهدف، حتى وصلنا إلى تقسيمات اتفاقية "سايكس بيكو" في عام 1916 واقتسام ثروات الرجل المريض وهو الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت، سواء بالغزو المباشر لبعض الدول أم بفرض الحماية والوصاية عليها، حتى قبل التوسع في اكتشاف النفط، لتوافر المعادن والمواد الخام الأولية غير المستغلة. وهذا ينبهنا إلى ذات المخاطر والمخاوف من مطامع دول الغرب وأمريكا في ثروات دول المنطقة، وخاصة الخليجية التي تتمتع بثروات طائلة جنتها من العائدات النفطية التي يعتبرها الغرب حقا لهم، باعتبار أن هذه أموالهم التي حصلت عليها الدول النفطية التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط منذ حرب أكتوبر 1973 وحتى الآن، وكان أكثر ما أثار حفيظتهم في ذاك الوقت هو نجاح العرب في استخدام سلاح النفط في هذه الحرب، وبعدها وضعت الخطط والإستراتيجيات طويلة الأمد للسيطرة على هذه الثروة الإستراتيجية المهمة، من منطلق أن الذي يسيطر على الطاقة وأهمها البترول هو الذي سيتحكم في العالم، وأن الدول المنتجة للنفط، العربية عامة والخليجية خاصة، ليس من حقها التمتع بهذه الثروة التي تجعلهم يتربعون على بحيرة من الأموال السائلة، التي لم يبذلوا جهدا كبيرا في الحصول عليها، ومن ثم يجب امتصاص هذه الأموال بالطرق المشروعة حينا وغير المشروعة في معظم الأحيان، ولاسيَّما أن التقارير الدولية الصادرة عن الغرب، وفقا لإحصاءات مركز الإحصاء الأوروبي "اليوروسات" تؤكد وجود فوائض بالمليارات نتيجة للارتفاعات المتواصلة في أسعار النفط في السنوات الأخيرة، حيث حققت السعودية والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان فائضا في ميزانيتها العام الماضي بلغ 147.9 بليون دولار، وهذا الرقم يعادل 36 % من عجز الموازنة بدول منطقة اليورو الـ18، والبالغ 292.772 بليون يورو (404 بلايين دولار) خلال العام 2013، نظرا لأن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي من القلائل في العالم التي تحقق موازناتها كل عام فوائض بالمليارات، نظرا لانخفاض الكثافة السكانية وارتفاع عائداتها من أسعار النفط ولذلك تتوجه أنظار الطامعين إلى المنطقة وعيونهم تتلمظ على ثرواتها بطرق متعددة، فالبعض يهتم بعقد صفقات الأسلحة المتطورة بمبالغ طائلة والتي تعد مبيعاتها دعما مباشرا لميزانياتها أو من خلال طرح مشروعات استثمارية، كما تخطط الحكومة البريطانية بأن تكون لندن أحد مراكز الاستقطاب الدولية لرؤوس الأموال الأجنبية، والمراهنة على استثمار الروابط التاريخية الطويلة والعلاقات التجارية المشتركة مع دول المنطقة، لجعل لندن وجهة أولى للاستثمارات الأجنبية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، ويبدو ذلك من خلال الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار التي أعدت خططا لإنجاز مشاريع استثمارية مفتوحة أمام المستثمرين الخليجيين، تصل قيمتها لأكثر من 100 مليار جنيه إسترليني والسعي لاستقطابهم في مجموعة من المشاريع لتطوير 27 مليون متر مربع من الأراضي لإنشاء 220 ألف منزل، على أن تبلغ حصة بريطانيا في هذا المشروع 17 مليار جنيه إسترليني فقط. كما تتطلع اليونان التي تحاول التعافي من أزمة مالية طاحنة إلى استثمارات خليجية تبلغ نحو 10 مليارات يورو (13 مليار دولار) في السنوات القليلة المقبلة، لذلك تستعد لإصدار قانون جديد للاستثمارات الخارجية وإعفاء الشركات من الضرائب لمدة 5 سنوات، وتخفيضها من %25 إلى 15%، كحوافز لتنشيط الاقتصاد الذي تضرر بفعل الأزمة المالية العالمية، كذلك تسعى أستراليا لجذب الصناديق الاستثمارية والسيادية الخليجية لمزيد من الاستثمارات، لاسيَّما في المشاريع الزراعية والغذائية. في حين لم تطرح الدول العربية التي تعاني من العجز في ميزانياتها أي حزم من الإجراءات المحفزة لجذب الاستثمارات الخليجية، حيث سجلت 11 دولة عربية عجزا في ميزانيتها لعام 2013، بإجمالي 68.4 بليون دولار، في مقدمتها مصر والجزائر والمغرب، وهذا الرقم أقل من نصف الفوائض التي حققتها الدول الخليجية الخمس: السعودية - الكويت – الإمارات - قطر - وسلطنة عمان. ودرءا للمطامع الخارجية وحفاظا على الثروات العربية الخليجية، يتعين على دول الخليج مجتمعة إعداد إستراتيجية خليجية موحدة للاستثمار، للاستفادة من فوائضها النفطية الضخمة في تنويع مصادر الدخل، واستكمال البنية الأساسية في القطاعات والمجالات الصناعية أو اللوجيستية أو السياحية، وتطوير المطارات والموانئ وطرق النقل البري والسكك الحديدية، إضافة إلى التوسع في المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الحرة.