13 سبتمبر 2025

تسجيل

مرض الجهادية الطفولي في تونس (1)

21 مايو 2013

ليس ما ينقصنا في تونس هو الإسلام، بل المنطق والمعرفة والثقافة بأمور الإسلام، والأخلاق وجداناً وتعاملاً، لأن الإسلام الحقيقي هو الذي يحترم ويثمن بالأساس المنطق والمعرفة والثقافة والأخلاق. وما يجري الآن في تونس، هو الوجه القاتم «للربيع العربي» الذي بطبيعته السلمية في كل من تونس، ومصر، أضرّ بـ«القاعدة» وحلفائها على الصعيد الأيديولوجي، لأن الثورات الديمقراطية العربية رسمت معالم طريق مختلفة عن تلك التي وضع أسسها سيد قطب، وتبعه عبد السلام فرج، ثم الظواهري وغيرهم. فالثورات تؤكد أهمية النزوع السلمي، والدولة المدنية، والانفتاح على العالم، وهي طرق مناقضة، بل معاكسة تماما، لرهانات القاعدة أيديولوجيا وسياسيا. وهكذا، وعلى نقيض الإسلاميين المعتدلين الذين يسعون إلى تكييف الإسلام مع ما هو عصري، ومزج التعاليم الإسلامية مع حركات الإصلاح، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، تسعى التيارات السلفية الجهادية التكفيرية في تونس على نقيض الليبراليين الإسلاميين أو الإصلاحيين، إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، وعدم القبول بالحكم الديمقراطي بديلا عنها، موضحين الفوارق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية. وعندما انطلقت الثورات الديمقراطية في البلدان العربية (تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سورية)، وتحولت في سيرورة ارتقائها إلى ثورات الشعوب العربية بأكملها بجميع أطيافها ومكوناتها، رجالا ونساء، مدنيين وعسكريين ورجال أمن، توحدوا مع الثوار وطوروا مطالبهم، بات معظم المحللين العرب يعتقدون أن تحقيق ثورات ديمقراطية فعلية في هذه البلدان العربية، هي التي تقوض بصورة حقيقية معاقل تنظيم «القاعدة»، الذي أصبح الخاسر الأكبر من التغيرات الجارية في العالم العربي، إذ إن النائب السابق لزعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري (الذي أصبح منذ فترة قصيرة الزعيم الأول لتنظيم القاعدة) حذر الشعوب العربية بعد انتصار الثورات الديمقراطية التونسية والمصرية التي كانت ذات طبيعة علمانية إلى حد كبير، من أنهم يخرجون عن الإسلام، واصفاً الديمقراطية بأنها «لا يمكن سوى أن تكون غير دينية». وتشير التقارير السياسية الصادرة في تونس خلال الفترة الأخيرة إلى أن المئات من الشبان التونسيين الناشطين حالياً في صفوف الجماعات الجهادية المسلحة سبق لهم أن تدربوا على السلاح وتكتيكات القتال داخل معسكرات على الأراضي التونسية. غير أن الجماعات الإرهابية المختبئة في الوقت الحاضر بجبل الشعانبي وجبال الكاف وجندوبة هم من الجماعات الجهادية التي كانت متواجدة بمالي وفرّت من الحرب هناك ويقدر عددهم بأكثر من 40 شخصا. وكانت مصادر أمنية تونسية حذرت في أكثر من مناسبة من وجود معسكرات لإرهابيين داخل الأراضي التونسية، غير أن وزارة الداخلية التي كان يتولاها السيد علي العريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية قللت من أهمية تلك التحذيرات، ووصفتها بأنها مبالغة ولا تستند إلى وقائع جدية، فيما رأى المحللون التونسيون أن هذه الجماعات استفادت من مناخ الحرية السائد في تونس بعد الثورة، وأيضاً من هشاشة الوضع الأمني، لتجند الشباب وترسله إلى سورية ومالي دون ضغوطات كبيرة. ويجمع المحللون التونسيون المتابعون لنشاط الجماعات السلفية الجهادية في تونس، أن ظاهرة الجهاد ازدادت قوة في تونس، لاسيَّما في ظل الانفلات الأمني، وغياب هيبة الدولة التونسية، وغياب إستراتيجية سياسية من جانب حركة النهضة الحاكمة حاليا في تونس، من أجل مواجهة التيارات السلفية الجهادية التكفيرية.. ويدل على انتشار وتنامي ظاهرة الجهاد في البلاد، هو توجه العديد من الشباب التونسيين المنضوين في الجماعات السلفية التكفيرية إلى القتال في دول عديدة، منها سورية، ومالي، والجزائر، علماً بأن " القاعدة "تسعى إلى أن تجعل من تونس أرضاً للتدريب وتصدير الجهاديين، وملاذاً آمناً لنشاطها الإرهابي.