18 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن السؤال الذي توجه به الدكتور عزمي بشارة رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسية جديدا، لكنه كان يذكّر بأن كل القوى الإقليمية من الشقيقتين إيران وتركيا إلى إسرائيل العدوة، تعرف ماذا تريد وماذا تفعل وكيف تسعى بوعي وتخطيط إلى مشاريعها. وحدهم العرب ليسوا على "أجندا" الصراع والحضور في المنطقة، لذلك عندما انفتحت تركيا على العرب في عهد حزب العدالة والتنمية قوبلت بترحيب كبير، واحد من أسباب هذا الترحيب والقبول هو الفراغ العربي. لم يستطع العرب أن يؤسسوا كيانات ذات حيثية سياسية واقتصادية ومدنية حديثة، بقوا على انقساماتهم وغيابهم فكان سهلا على الآخرين أن يتقدموا في حقل خال من "الألغام" التي تحمي الهوية وتستفيد من التاريخ وتؤسس للمستقبل. قبل مدة قصيرة عقد المركز العرب للأبحاث مؤتمرا حول العرب وإيران. واليوم عقد المركز مؤتمرا في الدوحة وليومين حول "العرب وتركيا: تحديات الحاضر ورهانات المستقبل". ليس هو المؤتمر الأول بل جاء بعدما كادت مثل هذه المؤتمرات تستنفذ أغراضها في ظل التحولات الكثيرة التي شهدتها العلاقات العربية التركية، لكن دراسة السياسات ليست عملية محدودة بوقت أو بحدث أو بمرحلة، بل هي عملية مفتوحة على الدوام. وإذا كانت العلاقات العربية التركية شهدت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 قفزة نوعية في توثيقها وتعزيزها ولاسيَّما أن التغيير جاء في الأساس من الجانب التركي، فإن المرحلة الحالية من هذه العلاقات بعد قيام الثورات وحركات الشارع العربي وما تشهده من حيث المبدأ من "تحولات" في المواقف التركي من هذه الثورات تستحق التوقف والتأمل والبحث في حيثيات التحولات الجديدة وآفاق المشهد التي سترتسم داخله. وفي نظرة إلى العلاقات بين الطرفين التركي والعربي بات واضحا أنها تمر الآن بمرحلة حرجة بعد الاهتزاز الذي أصابها في إثر الارتباك والتناقضات التي وسمت النظرة التركية إلى الأحداث بحيث إنها وللمفارقة كسبت غضب العرب بجناحيهم "المعتدل" و"الممانع". وهذه تعتبر نكسة خطيرة لعامل الثقة في الأساس الذي بناه الطرفان على امتداد سنوات حزب العدالة والتنمية. هذا الاهتزاز الذي يكاد يطيح بكل المرحلة السابقة يعكس واقع أن العلاقات لم تكن قائمة على أسس متينة وأنها رهينة ردات فعل وتمنيات وانبهار وأطماع ومؤامرات وما إلى ذلك من صفات. هذا يستدعي إعادة تقييم لما جرى. ولما كان العرب هم ساحة الصراع وتطلع القوى الإقليمية والدولية فإن ذلك يستدعي تأملا من الجانب العربي قبل أي شيء آخر. بين شيء من الحنين وشيء من الإعجاب وشيء من الأنانيات كانت ترتسم العلاقات العربية التركية من دون فكّ أي مشكلة حقيقية لا على صعيد التوازن في العلاقات الاقتصادية ولا الاتفاق على مبادئ محددة في التعاون الإقليمي ومواجهة التحديات. كانت هذه العلاقات أقرب إلى الفولكلور التي ليس أفضل من "مهند ونور" عنوانا لها حتى إذا ما واجهت هذه العلاقات تحديا جديا مثل الثورات العربية لم ينفع لا "مهند" ولا "الكباب التركي" وانكشفت العلاقات على بناء هش يكاد ينهار من مجرد موقف من هنا أو من هناك كأن شيئا لم يتحقق خلال الفترة الماضية. المسؤولية الأولى تقع على العرب. لا يجادل أحد في ذلك. العرب، كما قال عزمي بشارة،عليهم أن يثبتوا أولا أنهم موجودون. هم موجودون، يقول، بـ"الافتراض". لذلك رأى بشارة أنه قبل التحاور مع الأتراك "علينا أن نتحاور مع أنفسنا ونحدد أولا ماذا نريد من تركيا؟ وهذا لا يتم إلا بدراستها خارج فيضان المقالات والنصوص الشعرية وفي اتجاه تفكيك الأساطير والشعوذات حول العلاقة معها". العلاقات العربية التركية كما العلاقات العربية الإيرانية مفتاح للعلاقات الإقليمية. والخطوة الأولى لإرساء توازن في المنطقة هي عودة العرب إلى دورهم. وتحديد الإجابة على سؤال ماذا يريدون هم من الآخرين وأولهم تركيا؟ وهو ما يهدف إليه مؤتمر"العرب والأتراك".