14 أكتوبر 2025
تسجيلمناخ قطر الاستثماري يتمتع بدرجة عالية من الأمان أتيح لي خلال فترات حياتي أن أدرس علم النفس بعمق، ومنه استخلصت الأسباب الفسيولوجية للخوف الذي ينتج آثارا سلبية على العمل والإنتاح، ولن أخوض في تفاصيل هذه الأسباب، فهي مفصلة في كتب الطب النفسي، لكن يكفي أن نقول: إن الخوف يعطل مسارات التنمية، بل يعطل حركة الحياة، فالخائف يفقد القدرة على التفكير، ومن ثم تكون تصرفاته وأفعاله غير مدروسة وآثارها غالبا ما تكون كارثية، ومن هنا يمكن فهم المصطلح الذائع الانتشار في الاقتصاد المسمى "الملاذ الآمن للاستثمار"، فأول شيء يحتاجه الاقتصاد الاطمئنان وعدم الخوف، فإذا كانت هناك بيئة آمنة فإن مساحات الإبداع تتسع وتتجدد، وتصبح غير محدودة، أما إذا كان الخوف مسيطرا فإن مستوى الأداء يتراجع.. أقول هذا الكلام بمناسبة ما يشهده العالم العربي من أحداث، خاصة في الجزائر والسودان، فهما بلدان استطاعا في شهر واحد أن يسقطا رئيسين، بدأت التظاهرات معهما بالاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية، كما حدث للبلدان التي سبقتهما بالثورات كمصر واليمن وليبيا وسوريا، ثم تطور الأمر إلى المطالبات بالحرية والديمقراطية والتغيير الجذري في الحياة السياسية. إن هذه الثورات كانت النبض الصادق للجماهير، نبض وقفت بجواره قطر التي ساندت الشعوب، وهو مبدأ ما حادت عنه قطر يوما ما، من أجل ذلك استضافت قطر الاتحاد البرلماني العالمي، فالحاضرون في المؤتمر ممثلون لشعوبهم ويعبرون عن آرائهم، وهذا يجعل المناقشة أكثر ثراء، لكن اللافت للانتباه أن سمو أمير البلاد المفدى دعا الحضور إلى أن تتاح لهم فرصة مشاهدة إنجازات قطر في بنيتها التحتية واقتصادها واستعدادها لاستقبال مونديال العرب عشرين اثنين وعشرين، وهي دعوة تحمل عدة رسائل أهمها – من وجهة نظري- أن يروا الأمن الذي تتمتع به قطر، والذي يعد السبب الحقيقي للنهضة التي تقوم بها، فبلد تتنوع فيه الأعراق والجنسيات واللغات، يعيش في تناغم دون حوادث أمنية تعكر صفو الحياة فيه، يعد ملاذا آمنا للاستثمار، كما أنه يعد ملاذا آمنا لاستضافة الأحداث الدولية الكبرى كالمؤتمرات وكأس العالم، وإذا استقرت هذه الرسالة في أذهان ممثلي الشعوب، فإنهم حتما سينقلونها إلى شعوبهم الذين سيؤيدون أنظمتهم في إنشاء علاقات أكثرة قوة مع قطر، بل سيشجعون على تقوية الروابط مع قطر، فهي بلد آمن يتمتع باقتصاد واعد.. فقطر استطاعت أن ترسي مبادئ الأمن فشجعت على الإبداع وأعطت عليه الجوائز، والمجتمع مُهيأ للعمل والإنتاج، واستطاعت وفق رؤيتها الوطنية أن تقفز في مؤشرات التميز الدولية بشكل عجيب، ورغم الحصار الذي كان هدفه زعزعة الاستقرار وبث المخاوف لدى المجتمع والمستثمرين، والتلاعب بالعملة، فإن قطر استطاعت أن تسيطر على الوضع وتعطي رسائل أمان للمجتمع المحلي والدولي بأن لديها بدائل قوية فرضت بها الأمن وبسطت من خلالها سيطرتها على الوضع، واستوعبت الصدمة الأولى وواصلت تقدمها في ميادين الإبداع دون خوف أو وجل. وهذه وحدها رسالة كافية استطاعت قطر الحصول عليها بشهادات التقارير الدولية، بل بشهادات دول الحصار أنفسهم. أما الرسالة الثانية، فإن لديك 162 بلدا في مؤتمر الاتحاد البرلماني، ثم بعدها بأيام قليلة عندك ممثلو الهيئات الدولية في مؤتمر الإفلات من العقاب في وقت يهاجم فيه خليفة حفتر طرابلس بدعم إماراتي سعودي مصري وتنديد دولي وأممي يعطي رسالة قوية بأن شعوب العالم ترفض من يتآمر على حريتها وديمقراطيتها؛ لأن ذلك ببساطة يعطل مسارات التنمية فيها، بسبب ما تخلفه الحروب من مخاوف وقتل ودمار، وإذا عدنا إلى بلاد الربيع العربي فسنجدها بلادا كبرى ذات حضارات عريقة، تمتلك من مقومات التاريخ والجغرافيا ما يجعلها تتسيد العالم، فاليمن مسيطر على منافذ التجارة الدولية، ومصر بها أهم ممر ملاحي لهذه التجارة التي تمر على البحر، طول البحر الأحمر مارة بجوار السودان الذي يزخر بالموارد الطبيعية التي تكفي العالم كله، أما ليبيا فإنها بوابة أفريقيا إلى أوروبا، وتزخر هي الأخرى بالنفط والغاز، وكذا الجزائر التي تعد شواطئها على المتوسط الأطول، بالإضافة لتمتعها بالغاز. أما سوريا والعراق فإنهما يملكان من موارد الزراعة والصناعة والنفط والغاز ما يجعل أهلهما يعيشون في رغد من العيش. أما عن شعوب هذه البلاد فلك أن تتحدث عن قدراتهم البشرية الهائلة، فالشباب يمثل غالبية هذه الشعوب، والعالم الغربي يأخذ من نوابغ هذه البلاد ما يقيم به حضارته، فهم ينتشرون في مراكز الأبحاث والوظائف المهمة في الدول المتقدمة، وكثير منهم حصل على الجوائز الدولية بعد أن هجر بلاده قاصدا تلك الدول، ولك أن تتساءل بعد كل ذلك...أين الخلل؟. والجواب سهل جدا...إنه الخوف الذي عطل مسار التنمية في دولنا العربية، الخوف الذي فرض نظما قمعية مستبدة، كان جل همها أن تستعد لمعركتها مع شعوبها حين تضيق ذرعا بأوضاعها السياسية والاقتصادية، فدول هي الأكثر استيرادا للسلاح، والأقل عملا في مجالات التنمية، يظل حكامها المستبدون على رأس السلطة فترات طويلة.. حينما أيقنت الشعوب أنها لن تتخلص من هذا الاستبداد إلا بالثورات، ظهرت قوى الثورات المضادة في الإمارات والسعودية ومصر، كي تعود الشعوب إلى حظائرها من جديد، وتعيد إليهم ثقافة الخوف، وكانت النتائج مزيدا من انهيار الاقتصاد تبعه المزيد من الجرائم الاجتماعية وانتشار الجهل والمرض، لتكون بعض دولنا العربية مرشحة -بقوة- أن تكون دولا فاشلة في نظر المجتمع الدولي؟ فهل ستنجح الشعوب في كسر الخوف، وانتزاع إرادتها لتنهض باقتصادها؟ هذا ما نرجوه، والأيام المقبلة عندها الجواب. [email protected]