20 سبتمبر 2025
تسجيلفي البخاري أن أبا عبيدة بن الجراح قدم من البحرين إلى المدينة بعد أن أخذ منهم الجزية، وكان مالًا وفيرًا، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بعضًا من أهل المدينة وقد تسامعوا بخبر قدوم أبي عبيدة من البحرين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم".رؤية بعيدة ثاقبة لرسول الرحمة وهو يرى الخيرات وقد انهالت على المسلمين بفضل الله، ورأى سعادتهم بتلك الخيرات، فقال تلك الكلمات الجامعة، وأنه لا يخشى على أمته الفقر بقدر خشيته من الانشغال والالتهاء بحالة الغنى. وليست خشيته صلى الله عليه وسلم تعني أنه يدعو هنا إلى الزهد والتقشف ونبذ المال، لا ولكن أبدى خشيته من الغنى إن صار المال هو الهدف والغاية، يسعى الناس إلى كسبه بأي طريقة ووسيلة، وبالتالي سيحصل تنافس غير شريف بعد حين من الزمن لا يطول عادة، لغلبة الطمع والجشع في النفوس البشرية، فتتصارع تلك النفوس، مهما يكن بينها من علاقات ود وقرابة وغيرها، فتكون قد بدأت طريق الهلاك كما هلك السابقون.يستمر الاستشراف النبوي لمستقبل هذه الأمة، وكان واضحًا جليًا، حين سأل يومًا بعض الصحابة حوله: إذا فتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبدالرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون، ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض.. أو كما قال عليه الصلاة والسلام.لك أن تتطلع إلى الحاصل اليوم في هذه الأمة وغيرها من الأمم، وتتأمل الصراع الأممي والدولي وكل هذه الحروب، لتدرك أنها بسبب المال بصورة وأخرى.. ثم انظر إلى المحاكم حولك، العامرة بالقضايا الخلافية التي سببها الرئيسي المال، وبالمثل تأمل كيف تفرقت العائلة الواحدة بسبب تهافت وصراع أفرادها على المال، إلا ما رحم الله، وقليلٌ ما هم.