03 أكتوبر 2025
تسجيلحلقة الأسبوع الماضي من برنامج "الاتجاه المعاكس" انتشرت بسرعة البرق على كل المواقع وتداولها الناس وهم يضحكون ويسخرون من الألفاظ البذيئة والسوقية التي صدرت من أحد ضيوف الحلقة ومن المفروض أنه دكتور يفخر بتعليم الأجيال على يديه، وليست تلك الحلقة هي الوحيدة إنما قبلها العديد من الحلقات وفي العديد من الفضائيات العربية بشكل عام والتي هزمت لغة الشوارع في إطلاق الألفاظ البذيئة من قبل ضيوف ربما لم يوفق البرنامج في اختيارهم ليمثلوا الإعلام أفضل تمثيل للأسف. القائمون على هذه البرامج ربما يجهلون أو يتجاهلون أن من أهم وظائف الإعلام المحافظة على اللغة في المجتمع وصيانة قواعدها ومفرداتها الأساسية والرقي بلغة الحوار بين الناس بعيدا عن الألفاظ السوقية والسب والشتم وحتى مقاومة تسلل الألفاظ العامية إلى الفصحى كي تحتفظ الأجيال الحالية والقادمة برصيد محترم من مفردات اللغة على أسس محترمة بعيدة عن الصراع والصراخ والقذف والشتم على الهواء مباشرة وللأسف الشديد ما يحدث في هذه المرحلة يدل أننا أمام ظاهرة خطيرة هي ظاهرة تدني لغة الحوار عبر وسائل الإعلام. والحديث عن هذا الحوار يقودني للحديث عن نوع آخر من الحوار هو حوار الشريط المتحرك الذي يبدي رأي المشاهدين أسفل أو أعلى شريط الأخبار وأستند في ذلك إلى ما كتبه الدكتور محمد بسيوني في جريدة الأهرام حيث قال تستخدم الفضائيات المصرية والعربية فقط دون غيرها من كل فضائيات العالم شريطا متحركا لإبداء رأي المشاهدين لكنه يمتلئ بألفاظ السب والشتم والتعرض وأغلبها جرائم نشر يعاقب عليها القانون. وقد امتد ذلك إلى الحوار المباشر وفي المضمون البرامجي لهذه الفضائيات نجد انتشارا لظاهرة المقاطعة المستمرة بعضهم البعض والغضب في طرح الآراء والتهديد بالانسحاب من الحوار أو الانسحاب الفعلي للضيف من البرنامج وعلى الهواء مباشرة أمام المشاهدين فضلا عن استخدام معظم المتحدثين لألفاظ السب وهو أسلوب يرسخ لدى المشاهدين حالة التوتر ويربي لدى النشء والشباب سلوكيات خاطئة تجعلهم يقلدون الكبار القدوة في الحوار وهو ما يتناقض مع الثوابت الأخلاقية. وحتى لا تصبح البرامج الحوارية مروجا للألفاظ السوقية وتساهم في نشرها لتتداولها ألسنة الكثيرين وتظهر في سلوكهم بلا شعور لتصبح مع الأيام كأنها ألفاظ عادية، علينا أن لا نتوقف ضاحكين على ما يجري إنما إيقاف كل من لا يلتزم بلغة الحوار الراقي ولا يحترم هيبة القناة التي تركت له أحد المقاعد ليجلس عليه في البرنامج ولا يحترم ذوق المشاهد الذي منحه سمعه وبصره ووقته ليتابع ما يقوله على الهواء. مثل هؤلاء الضيوف لا يصلحون متحدثين ولا محاورين، مثل هؤلاء حديثهم لا يصلح حتى للشوارع فكيف نأتي بهم ليشوهوا بألفاظهم صورة إعلامنا الملتزم والمتمسك بمبادئه في زمن انهيار القيم والمبادئ.