18 سبتمبر 2025

تسجيل

الخرطوم.. أزمة غياب الاستراتيجية

21 أبريل 2012

عجبا انتبه المتنفذون في الخرطوم أخيرا لأهمية صياغة استراتيجية للتعامل مع دولة جنوب السودان!!.. فقد تم تكوين لجنة أخيرا برئاسة مستشار الرئيس عمر البشير تضم كبار المفكرين لإعداد استراتيجية ووصف الأمر بالعاجل؟! للتعامل مع دولة جنوب السودان.. بعد وقوع منطقة هجليج النفطية الاستراتيجية في قبضة الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب انتبهت الحكومة إلى أن الأمر يحتاج لاستراتيجية؟!.. ولا حرج على اللجنة في أن تأخذ وقتها وتعقد الاجتماع تلو الاجتماع، ويعاد كلام كل اجتماع لمن يأتي متأخرا وتستمر عملية (اللت والعجن)، وبعد أن تحتل الحركة الشعبية الخرطوم تكون اللجنة قد فرغت من عملها واستراتيجيتها التي (ما تخرش المية).هل أدركتم لماذا أُحتلت هجليج؟.. عبثية التفاوض والحرب هذا هو العنوان المناسب لما جرى ويجري بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية الواضحة للتعامل مع ما يفترض أنها أهم دولة مجاورة.. بدون مقدمات وبطريقة درامية وبينما كانت كلمات الغزل تنساب بين الخرطوم وجوبا يعلن سلفاكير أمام أعلى هيئة قيادية للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا أن قواته قد احتلت منطقة هجليج.. هرج ومرج وصيحات ابتهاج عالية أعقبت ذلك الإعلان المستفز والغريب.. وجه الغرابة أن سلفاكير يعترف أمام العالم بأنه أقدم على احتلال أراض دولة أخرى ذات سيادة.. سلفاكير كان قد بعث بوفد وزاري رفيع المستوى إلى الخرطوم يحمل دعوة منه للرئيس عمر البشير لزيارة جوبا والاحتفال بالتوقيع النهائي على ما عرف باتفاق الحريات الأربع الذي كان قد وقع بالأحرف الأولى بين وفدي البلدين في أديس أبابا بأثيوبيا في وقت سابق.. وفد سلفاكير قوبل بترحاب حكومي كبير ووجد رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم وهو الأكثر تشددا تجاه الخرطوم احتفاء زائدا وكرما لم يعرفه حاتم الطائي.. ليس من سبيل إلا وصف قضية التفاوض والحرب بين البلدين بالعبث.. في الخرطوم انقلبت أجواء الغزل بين ليلة وضحاها إلى حديث غاضب وقرار جمهوري بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه للتعبئة والاستنفار وربط الأحزمة لمواجهة جوبا. ومثلما يجر التنفيذيون خيبات الأمل على الجمهور، فإن البرلمانيين يفعلون الشيء نفسه.. إن أقوى دليل على رسوخ العملية الديمقراطية، أن نشاهد برلمانا قويا صاحب زئير وصولات وجولات.. جمهور الناخبين السودانيين لا يرغبون في رؤية نمرا من ورق يدخل إليه الوزراء والمتنفذون وكأنهم داخلون إلى منتزه للتنزه والاسترخاء.. لن يقنع الشارع بالأصوات الجهيرة ولا تطربه البيانات المرصعة ببليغ القول.. الشارع يريد نمرا بل أسدا حقيقيا تفر من زئيره الجبابرة من الوزراء والمسؤولين.. حملت أخبار الخرطوم أن البرلمان هاجم وزير الداخلية وانتقد أداء وزارته في قضايا المخدرات والوجود الأجنبي حتى أنه وصفها بالضعيفة بل انتقد سياستها تجاه منسوبيها الذين يعانون الأمرين من ضعف رواتبهم.. أبرز نقاط الانتقاد الارتفاع الخطير في حوادث المرور حتى أن السودان يأتي في صدارة الدول من حجم هذه الحوادث المميتة وزعمت سامية أحمد نائبة رئيس البرلمان أن من يموتون بسبب الحوادث أكثر من الذين يموتون بسبب الحرب!!.. وزير الداخلية الذي تصبب عرقا وهو يكابد الهجوم على تقريره وتحاشى الرد المباشر وتحول بسرعة لانتقاد قانون الصحافة والمطبوعات حيث أشار إلى أن هذا القانون عاجز عن كبح جماح الصحف الاجتماعية التي يرى أنها تتناول أخبار الجريمة بطريقة سلبية ربما تسهم في زيادة حجم الجرائم!!.. لا أعتقد أن وزير الداخلية جزء من الحملة التي تستهدف نزع السجل الصحفي من اتحاد الصحفيين عبر تعديل قانون الصحافة لكن الرجل ربما أراد التخفيف من الهجوم عليه والهروب إلى الأمام والعبور عبر (الطوفة الهبيطة).. رغم قناعتي بمبررات هجوم البرلمان على تقرير وزير الداخلية إلا أن (الزوبعة) ستنتهي بانتهاء الجلسة ويعود الوزير لمكتبه ويتناول المشروبات الباردة التي ستعوضه فاقد السوائل جراء العرق الذي تصبب هدرا؟!، بينما يظل نمر الورق نهبا لرياح حيرة ودهشة الناخبين.