23 سبتمبر 2025
تسجيللم يمر ربيع على الوطن العربي منذ رسم "الأخ سام " جغرافيته السياسية مثل الربيع الذي نعيش فصوله المتعددة التي طغت على ما جاء بعده من فصول مستأنفاً ولادته من جديد مع ربيع العام 2012.. ربيع أعطى للشعب العربي شعوراً بالاعتزاز وأملاً بالحياة. وفوق ذلك أكد له أنه شعب حيّ، مهما علا غبار الزمن أو تمادى طغاة العصر، فهو قادر على إنتاج نفسه وتجديد حياته.. ربيع لم يترك حارة، ولا زقاق إلا وفاح عبيره فيه في كل من تونس الخضراء وأرض الكنانة واليمن السعيد وهناك وهنالك. يوم كان المصريون يزحفون إلى يوم حشرهم في ميدان التحرير العام الماضي، كنت أعض على أناملي متسائلاً: لماذا لا يكون لنا ربيع في لبنان؟ ألسنا نحن وهم وغيرهم من بني العرب أخوة في الأفراح والأتراح؟ كنت أعلم أن الطائفية الاجتماعية والسياسية والجغرافية في لبنان قد أطبقت على الشعب اللبناني، وأصبحت أصل هويته ومؤشر بوصلته، وأنه لا يمكن لنا بحال أن نتخطّاها، لأن المواطن والحاكم، سواء بسواء، يعملان على إنتاجها وتغذيتها وتجديدها والعيش فيها كشرنقة نرى كل شيء ونحكم على أي شيء من خلالها. حزنت يومها كثيراً وتمنيت لأول مرة في حياتي ألا أكون لبنانياً.. أن أكون مصرياً أو تونسياً أو يمنياً أفضل.. سأشعر حينها بعزة التمرد والانعتاق من قيود الطغاة. وتحت صدى رجع الشعار الذي خرج من جوانب شارع بورقيبة في تونس، ومن تشققات حجارة أبو الهول في مصر "الشعب يريد إسقاط النظام " حاول البعض في لبنان أن يتحرك تحت مسمى "الشعب يريد إسقاط الطائفية" لأنه لا يوجد نظام حاكم أصلاً. لم يكتب لمولودهم الحياة، فالطائفية ليست نظاماً يحكم، إنما طريقة حياة يعيشها اللبناني بحواسه ويدمن فكرها. ومرّ عام، ولم يمر الربيع، ويئسنا من مروره حتى طرق حيّنا "ربيع طرابلس". وإليكم القصة. تملكني الذهول حين أوقفني شاب يحمل منشورات على قارعة الطريق وأنا أقود سيارتي في أحد أحياء طرابلس حيث أسكن.. لم يكن من عادتي التوقف أمام أي "موزع مناشير "، لأن الأمر برمته بات ظاهرة مزعجة في المدينة، فالإعلانات ودعايات "حيتان المال" واللاهثين للّحاق بركب من سبق في طابور الربح السريع يلاحقوننا " زنقة زنقة.. دار دار" إلا أنني توقفت أمام الشاب الذي رمقني ببصره قبل أن أصل إليه بسيارتي.. وجدت نفسي واقفاً أمامه.. مد يدّه إليّ بمنشور دون أن يتكلم.. قلت في نفسي، وأنا آخذ المنشور، سأرميه عند أول مكبّ للنفايات.. لم أفعل.. فضولي وحشريتي الصحفية دفعتني لقراءته عقب إمساكه.. إنها دعوة لاعتصام في إحدى ساحات المدينة دفاعاً عن "الموقوفين الإسلاميين" في السجون اللبنانية.. التوقيع " ربيع طرابلس". كنت علمت أن تحركاً ما في الشارع خلال الأسابيع الماضية تقوده مجموعة من ناشطي الفيسبوك تحت مسمى "ربيع طرابلس" قد افتتحت لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي المعروف.. وإن كنت تحمست لهم، إلا أني قد أصدرت حكماً أن الأمر لا يعدو كونه عنفوانا شبابيا تحركه العواطف الجياشة والحماسة المفرطة لشباب لم يتعاركوا بعد مع الحياة الواقعية وقساوتها التي لا تطاق، فأطلقوا العنان لأحلامهم الوردية في بلد، عذرية طبيعته بجماله الرباني قد سلبت لصالح المدنية المشوهة والربح السريع. حتى يوم إعلان "ربيع طرابلس" تاريخ ميلاده السابع عشر من شهر مارس، كان الحضور متواضعاً. ولم تكن الصحافة المحلية مقصرة بحقه أصلاً فخرجت بعناوين مثل " انطلاقة متواضعة لربيع طرابلس"، "انطلاقة ضعيفة"، وكأن الصحافة تتشفى كما يتشفى السياسيون بظاهرة تزاحمهم في ميادينهم. ثم كان لبلدية طرابلس يد المشاركة، فعدمت خلال 24 ساعة فقط إلى إزالة يافطات لـ"ربيع طرابلس" زرعت في جميع أحياء المدينة تستنكر التهميش والإقصاء والسرقات وتطالب بحقوق المدينة وشبابها. فهل نعيش في لبنان زمناً تم اختزال الربيع من فصوله المتعاقبة.. أم لا يزال الأمل يعقد بقدوم فصل جديد طالما أن هناك شباباً يتأففون من الحال حتى لو كان من المحال تغييره؟! د.محمد مصطفى علوش (إعلامي وكاتب لبناني)