20 سبتمبر 2025
تسجيلنداء عبدالله أوجالان زعيم حزب العمال الكردستاني في ذكرى النوروز إلى الحزب لعقد مؤتمر استثنائي يناقش فيه مسألة إلقاء السلاح، لن يكون سوى صرخة في واد.فالتطورات التي حصلت منذ ثلاث سنوات حتى الآن من مفاوضات بين الدولة التركية وبين أوجالان نفسه لم تصل إلى أي تقدم ملموس في اتجاه حل المشكلة.لجان كثيرة تشكلت بين "حكماء" و"مراقبة" و"متابعة"، واليوم سكرتاريا لأوجالان نفسه في السجن تتشكل من مساجين تابعين لحزب العمال الكردستاني. ونداء مشترك بين نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ونائب رئيس الحكومة التركية للبحث عن حل والتهدئة. وتصريحات من هنا وهناك وفي النهاية لا يعثر المرء على أي خطوة ملموسة أو حقيقية يمكن أن تعطي التفاؤل بإمكانية حل المشكلة لا في القريب العاجل ولا في المدى المتوسط.الكرة لا يمكن إلا أن تكون في جانب الطرف الذي يملك القدرة على العطاء وهي في النهاية ليست عطاءات بل حقوق. وما حصل عليه أكراد العراق من حكم ذاتي سابقا ومن ثم فيدرالية وربما لاحقا دولة مستقلة ليس سوى نتاج طبيعي لمسار تاريخي حتمي في أن تمضي بعض مكونات المنطقة العربية والإسلامية إلى نهايتها المحتومة أي إلى التقسيم. وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتفاجأ بدعوات هنا أو هناك للانفصال أو نيل الحكم الذاتي أو الاستعانة بالخارج.أمر واحد يمكن أن يؤجل النهاية الانفصالية وهو إقامة نظام دولة وعقد اجتماعي جديدان يجعل كل المكونات متساوية بالحقوق والواجبات خارج أي نزعات دينية أو مذهبية أو اثنية، ولعل أوروبا نجحت بعد عقود بل قرون من الصدامات الدموية والفتن في إرساء بنية اجتماعية وفي الدولة تفكك ألغام الانفجار بنسبة كبيرة جدا.في العالم العربي والإسلامي ليس بعد من أي مؤشرات إلى المضي في نزعة اجتماعية جديدة متقدمة، فلا تزال العوامل العرقية والدينية تتحكم بذهنيات السلطات الحاكمة المختلفة من دون استثناء أي بلد أو مجتمع، والاضطراب الحاصل على امتداد الوطن العربي والجغرافيا الإسلامية أكبر دليل على عقم البحث عن مواثيق اجتماعية خارج الانتماء الطائفي والإثني.يتحدث الجميع عن دخول المشكلة الكردية في طور جديد عشية الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في السابع من يونيو المقبل، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن شيئا لن يتغير في المشهد الكردي في تركيا.أوجالان يدعو إلى إلقاء السلاح لكنها دعوة مشروطة بتجاوب الحكومة التركية مع عشرة بنود أعلنها حزب العمال هي بالطبع بمثابة شروط شاملة لحل المشكلة.غير أن هذه الدعوة لن تجد جوابا لها لا عند حزب العمال الكردستاني ولا عند الحكومة التركية، فلا الحزب مستعد لإلقاء السلاح دون شروط ولا الحكومة تريد ذلك خصوصا عشية الانتخابات النيابية.12 سنة مرت على وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، انكسرت بعض القيود على استخدام اللغة الكردية كتابة أو تحدثا لكنها كانت خطوات محدودة جدا وغير ذات تأثير على العناوين الجوهرية، فبقيت المشكلة دون حل.اليوم يكرر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان المقولة ذاتها من أنه لا مشكلة كردية في تركيا أو أنها انتهت، كلام ليس جديدا لكن تأكيده من جديد في هذا التوقيت بالذات عشية نداء أوجالان إلى إلقاء السلاح، المشروط طبعا، وقبل شهرين ونيف من الانتخابات النيابية يطفئ مناخ التفاؤل الذي ساد منذ فترة.ولم يتأخر رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرطاش بالخروج في أقوى موقف للأكراد منذ فترة بالرد على أردوغان قائلا إن الأكراد لن يمنحوا أردوغان نظاما رئاسيا ليكون حاكما مطلقا، كررها ثلاث مرات في وقت اقتصرت كلمته أمام نواب الحزب يوم الثلاثاء الماضي على تلك الجمل القليلة وفي خطبة لم يتعد وقتها الأربع دقائق.المشكلة الكردية في تركيا لن تحل إلا على قاعدة من اثنتين: المواطنة الكاملة في الدولة والمجتمع أو الانفصال، ولكل منهما ثمنه الباهظ، فأيهما تختار تركيا؟