13 سبتمبر 2025
تسجيلما قامت به وزيرة خارجية السويد من تصريحات ضد نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ينم عن جهل وغطرسة وتطاول بعض الدول الغربية وساستها فيما يتعلق بثقافات ومعتقدات وديانات الآخرين، حيث مازال بعض الساسة في بلاد الغرب يتجاهل أن عهد الاستعمار قد ولى وللأبد وأن دول وأمم العالم حرة في وضع تشريعاتها وقوانينها وأنظمة الحكم فيها، فالدول العربية لم تتدخل في تشريعات تخص زواج المثليين في دول غربية كما أنها لم تتدخل أو تعلق على الخيانة الزوجية أو السلوك غير الأخلاقي عند كثير من رؤساء وساسة الغرب. ما لا تعرفه السفيرة السويدية أو ما تجاهلته أن زمن إعطاء الدروس قد ولى وللأبد وأن إدارة شؤون البلاد والعباد قد أصبحت من اختصاص كل دولة وليس من اختصاص السويد أو الغرب أو المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، فمنطق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقوم أساسا على المفهوم الواضح والنقي للعدالة في المعاملة والمقاييس والمعايير وعدم التمييز والتفرقة بين الشعوب والأعراق والأجناس سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية أو كانوا بيضا أو سودا. مرت أكثر من ستة عقود على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحصيلة تشير إلى انتهاكات وتجاوزات عديدة تفننت فيها الدول نفسها التي شاركت في تحرير الإعلان، تلك الدول التي نصّبت نفسها مسؤولة عن البشرية جمعاء لكن وفق وجهة نظرها ورؤيتها. والملاحظ أن منذ البداية الأولى أي سنة 1948 كانت الانطلاقة خاطئة وكانت هناك ازدواجية في المقاييس والمعايير حيث إن في تلك الحقبة التاريخية كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار ولم يتطرق لها الميثاق لا من قريب ولا من بعيد ولم يولها أي اعتبار. ما هو الوضع في أيامنا هذه أيام النظام الدولي الجديد والعولمة والعصر الرقمي وثورة المعرفة. وما هو الوضع في زمن عولمة ميثاق حقوق الإنسان؟ أم أن هناك فاعلين في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم وهل بإمكاننا الكلام عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان؟ ما يمكن قوله إن حقوق الإنسان مثلها مثل الديمقراطية ومصطلحات عديدة أخرى أصبحت سلطة تمارس وتوّظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سكة صانعي القرار في النظام الدولي. وتجدر الإشارة هنا أن ميثاق حقوق الإنسان منذ ظهوره اتسم بثغرات ومصطلحات مبهمة وتناقضات عديدة تختلف مع قيم الكثير من المجتمعات ومعتقداتها الدينية وتقاليدها وعاداتها..إلخ. وإذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان ورجعنا إلى الثورة الفرنسية تحديدا نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة في المجتمع على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، وهذه الأمور مع الأسف الشديد قائمة وموجودة داخل الدول وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمرة (بفتح الميم)؟ وهل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة ومسيطر عليها خارجيا من قبل دولة أو دول أو نظام دولي؟ إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة وسيلة ضغط في يد الدول القوية (حق التدخل) للتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها، ومن أهم التناقضات التي يعيشها العالم في هذا المجال ما يلي:* نلاحظ أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الأول عن حقوق الإنسان تضرب عرض الحائط بهذا المبدأ في بلدها وداخل حدودها وهذا إذا تعلق الأمر بالأقليات مثل السود والهنود الحمر- السكان الأصليين لأمريكا- والأقليات الأخرى ومنهم العرب ونلاحظ كم من مواطن عربي اتهم وسجن وطرد من أمريكا دون محاكمة ودون أدلة قاطعة ودون عدل ولا شرع! وما ينسحب على أمريكا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة. فرنسا مثلا في تعاملها مع المسلمين ومع مواطني شمال إفريقيا تبتعد كليا عن شيء اسمه حقوق الإنسان وقصة الخمار والنقاب وقصة محاكمة "جارودي" واغتيال "مهدي بن بركة" وتمجيد الاستعمار وعدم الاعتذار للجزائر وغيرها من الدول التي استعمرتها تبقى وصمة عار على دولة تدعي الحرية-الأخوة-المساواة في شعاراتها وأدبياتها السياسية.* نلاحظ كذلك أن الدول الفاعلة في النظام العالمي تساند وتدّعم أنظمة مستبدة ودكتاتورية في العالم الثالث وهذا يتناقض جذريا مع مبدأ حقوق الإنسان لأن هذه الدول وبحكم نظامها السياسي السلطوي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحترم حقوق الإنسان إذا انعدمت الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والتعبير والفصل بين السلطات، والغريب في الأمر أن الدول الغربية تساند هذه الدول النامية لفترة زمنية معينة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والاقتصادية وبعد فترة معينة تنقلب عليها مثل ما حدث مع الولايات المتحدة وبنما ومعظم دكتاتوريات أمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها من الأمثلة عندما تدخلت دول غربية في إطاحة دول اُنتخبت بطريقة ديمقراطية في العالم الثالث، فمبدأ حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية ينتهي عندما تبدأ مصالحها.* نلاحظ أن الولايات المتحدة التي نصّبت نفسها رقيبا وحاميا لحقوق الإنسان في العالم تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على غزة والحرب ضد العراق وأفغانستان، والغريب في الأمر أن أمريكا نفسها تصنف دولا عدة في خانة الدول الإرهابية والدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، أما إسرائيل فتصفها بالدولة الديمقراطية المحترمة لحقوق الإنسان وللحريات المختلفة. * أين هي حقوق الإنسان في الحرب على العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، وهكذا إذن أصبح مبدأ حقوق الإنسان وسيلة في يد الدول القوية للضغط وإدارة شؤون العالم وفق ما تمليه عليها مصالحها وأهدافها الإستراتيجية ونلاحظ هنا أن حتى بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسيان قد تم تسيّيسها وانحازت لدول ولمصالح ولأيديولوجيات معينة على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس لا حدود ولا جنسيات.