30 أكتوبر 2025

تسجيل

الإرهاب الذي يستهدف التحول السياسي في تونس

21 مارس 2015

الاعتداء الإرهابي على تونس الأربعاء الفائت، كان أسوأ عملية تخريبية تعرضت لها البلاد منذ اندلاع الثورة نهاية العام 2010 .. مقتل عشرين سائحاً أجنبيا في الهجوم الذي وقع على يد تونسيين ينتميان إلى كتيبة عقبة بن نافع.. يوم دام بكل ما للكلمة من معنى .. حزن وقلق وغضب عمّ البلاد، فنوع وشكل الهجوم والمكان الذي حدث فيه شكل صدمة كبيرة للمراقبين فضلا عن المواطن التونسي البسيط الذي كان يأمل أن يكون الإرهاب قد تقهقر بعد الانتخابات الأخيرة، وتوصل الفرقاء السياسيون إلى تسوية أنتجت حكومة تشبه إلى حد ما حكومات الوحدة الوطنية حيث كانت نظرية الشيخ راشد الغنوشي تقول إن البلاد بما تمرّ فيه من مخاضات وتحولات مصيرية صعبة وسط محيط ملتهب وإصرار من فئات مجتمعية ونخبوية فاسدة على إرجاع التاريخ إلى الوراء قسرا، تتطلب دولة قوية لا تتأتى إلا عبر حكومة وطنية تؤمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي.لعل نظرة الشيخ الغنوشي كانت بعيدة المدى بحيث إننا لو افترضنا اليوم أن النهضة لم تشارك بالحكومة الحالية لا رمزيا كما هو واقعها اليوم من حيث عدد الوزراء قياسا على حجمها في البرلمان، وكانت في المعارضة لتوجهت إليها الاتهامات فورا على أنها تريد إجهاض حكومة الحبيب الصيد وتكريس الفشل الأمني لإرباك أي تحول سياسي بعد أن خرجت من الحكومة السابقة مزعنة وسلمتها إلى جهات مستقلة لإدارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية.ثم إن ضرب الإرهاب في تونس مجدداً أكد بما لا يدع مجالا للشك أن التطرف والعنف الأمني لم يكن من نتاج حركة النهضة ولا من سياساتها، وأن سجله مزمن وهو يعود لحقبة زين العابدين بن علي ثم للفوضى التي خلفتها الثورات على كافة الصعد، وهي ما زالت منتجة لظاهرة الإرهاب طالما أن الدول التي ضربتها هذه الثورات لم تنتج بعد نظم سياسية متكاملة تلبي مطالب الثورة، وتتمكن من مسك مفاصل الدولة كما كانت النظم السابقة تفعل. ما حدث مثّل خرقاً أمنياً كبيراً وطرح تساؤلات عديدة تبدأ من الحديث عن مدى نجاعة الحكومة الحالية والإجراءات التي تتبعها لحماية البلاد بعد التهديدات التي طالتها من قيادات في التنظيمات المتطرفة، وعن الخلل الذي تقع فيه الحكومة في مواجهة الإرهاب أو القضاء عليه لا سيما أن تونس تتميز عن محيطها العربي بأنها تعيش استقرارا سياسيا ومستوى مقبولا من الديمقراطية. ماذا عن سياسات تونس الخارجية وجميعنا يعلم أن أحد أوجه تغذية الإرهاب في تونس هو الاضطراب الأمني في ليبيا.. فهل تملك الحكومة التونسية مقاربة متكاملة لحل الأزمة الليبية، وأين وصل التنسيق بين تونس والجزائر ومعلوم أن كتيبة عقبة بن نافع تتمركز في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر؟خطورة العمل الإرهابي بقدر ما هي كبيرة لناحية الخسائر في الأرواح والجسم الاقتصادي هي مقلقة أكثر من أن تنزلق البلاد مرة أخرى للفوضى السياسية بحيث تتخلى الجهات الحاكمة عن المسار الديمقراطي في حال وجهت السهام – وهو أمر متوقع على المدى المنظور- إلى حكومة الصيد وسياسات الرئيس الباجي قايد السبسي، قائلة إنكم أخفقتم في محاربة الإرهاب، وإن السياسات المعتمدة في التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان لن تنفع مع كل هذا التحديات الأمنية التي تتعرض لها البلاد، وإن دفعة جديدة من القبضة الأمنية كفيلة على الاٌقل بتهدئة الشارع الذي يبحث عن الاستقرار والأمن.الأمن المجتمعي ومن ثم الأمن الاقتصادي قد يكونان من أولويات المواطن التونسي اليوم ومقدمين على الاستقرار السياسي أو زيادة جرعة الحريات السياسية.. والنظريات التي تقول إن إقصاء حركة النهضة عن الحكم كان بسبب عجزها عن لجم ارتفاع الأسعار والحد من التطرف الذي بدأ بضرب أسس الدولة ويؤسس لفوضى مجتمعية مدمرة، لها وجاهتها العلمية. وقد تخلى الناخب التونسي فعلاً عن قلقه المشروع من عودة المنظومة الأمنية البائدة مقابل أن يحظى بقليل من الاستقرار الأمني والاقتصادي، وبما أن الإرهاب اليوم ضرب المجالين معا من خلال استهداف الاقتصاد التونسي القائم على السياحة وترويع المجتمع التونسي قاطبة بعد أن نجح باختراق البرلمان والضرب بقوة في عمق العاصمة الثقافية والاقتصادية للبلاد يعني هذا أن حكومة الصيد أمام خطر السقوط، كما كان حال حكومة الترويكا. كما أن نداء تونس الذي يمسك بزمام الأمور هو في دائرة الخطر إذا ما استصحبنا الأزمة السياسية التي تضرب الحزب والتي توشك أن تودي به قبل أن يحقق شيئا على أرض الواقع بما أنه تشكل على عجل ومن تيارات فكرية وسياسية وعمّالية يجمعها التضرر من التغير السايسي بعد الثورة.