18 سبتمبر 2025

تسجيل

ليس أقل من ضرب غرائب الإبل!!

21 فبراير 2015

البطش الممنهج الذي تجده الصحافة في السودان بسبب أن الحكومة ترى فيها غولا، كما الغول الخرافي في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية فهو مخلوق بشع مخيف وفوبيا أسطورية وتقول العرب عنه أيضا هو أحد أنواع الجن.. ومع أن الغول عند العرب أحد ثلاثة مستحيلات هي (الغول والعنقاء والخل الوفي) لكن لدى الخرطوم قناعة راسخة بأن الصحف في السودان تمثل غولا بيد أنه في حقيقة الأمر ليس غولا مفترسا بل هو ضحية ولا يشبه الغول الخرافي إلا في كونه بشعا في نظر السلطة يستحق ضرب غرائب الإبل.. فالحكومة تردد كل يوم مقولة الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يخاطب أهل العراق في خطبته الشهيرة بالكوفة في أول ولايته عليهم قائلا: "أما والله لألوحونكم لحو العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل".. وكأنما الأعشى قام من قبره فرأى حال الصحافة السودانية فأعاد قوله الشهير:كطوف الغريبة وسط الحياض ** تخاف الردى وتريد الجفارامنذ أن صدرت أول صحيفة سودانية في العام 1919م لم تشهد الصحافة عملا أخرقا مثل الذي أقدمت عليه الحكومة الأسبوع الماضي حين صادر جهاز الأمن والمخابرات (13) صحيفة مرة واحدة بعد طباعتها مباشرة.. ثم مصادرة (4) صحف في اليوم التالي.. ليست الغرابة في مبدأ المصادرة فتلكم عادة شبه يومية، ولكن الغرابة في كم الصحف المصادرة والجسارة التي تمت بها.. المدهش حقا أن من بين الصحف المصادرة صحيفة مفروض عليها الرقابة القبلية حيث زارها ضابط الأمن كما هي عادته اليومية المسائية ليشطب ما لا يروقه من موادها قبل مثولها للطبع.. البعض يشير إلى أن المصادرة عقاب بأثر رجعي بيد أن المحير هو هل كل الصحف المصادرة ارتكبت ذنبا واحدا استدعى هذه المزامنة؟. ولي تجربة مريرة عايشتها كرئيس تحرير؛ فحين صدرت صحيفة الصيحة في 10 مارس 2014، بعد ثلاثة أيام أوقف أحد كتابها الراتبين من الكتابة بأوامر من جهاز الأمن وبعد أسبوعين تم استدعاء رئيس التحرير برفقة الكاتب إلى مباني الجهاز وتم تحذيره تحذيرا شديدا باعتباره سيتحمل مسؤولية تخطي الكاتب لما يعتبره الجهاز خطوطا حمراء حين يتعرض للمسؤولين الكبار في الدولة.. بعد أقل من أسبوعين من صدور أول عدد للصحيفة صودر العدد (13) بتاريخ 23 مارس من قبل جهاز الأمن بعد طباعته مباشرة، بدون إبداء أي أسباب.. في 12 مايو اعتقل رئيس التحرير بعد حضوره مؤتمرا صحفيا لوكيل وزارة العدل بقصد الرد على اتهامات بالفساد وجهتها له صحيفة الصيحة إبان توليه منصب مدير عام الأراضي.. وتم الاعتقال بواسطة نيابة الصحافة بأوامر من الوكيل مباشرة وتم إيداعه السجن مع عتاة المجرمين وأصحاب السوابق وهذا ما لم يتم التعارف عليه بالنسبة لحالات اعتقال الصحفيين. ولم يطلق سراحه إلا عند منتصف الليل بعد التحقيق معه مطولا بواسطة ضابط مباحث برتبة العقيد. بعد منتصف ليل 19 مايو أصدرت رئاسة الجمهورية على غير العادة بيانا شديد اللهجة هاجمت فيه الصحف التي رأت أنها تجاوزت ما تسميه بالخطوط الحمراء وتعريض الأمن القومي للخطر وهز الثقة في قيادات الدولة الأمنية والعسكرية والعدلية وبعد حوالي ساعتين من إصدار البيان الرئاسي تم وقف طباعة العدد (71) من صحيفة الصيحة ليوم 20 مايو وفي حوالي الساعة الرابعة مساء نفس اليوم تلقى رئيس التحرير مهاتفة من أحد ضباط جهاز الأمن يبلغه فيها بقرار مدير عام جهاز الأمن بتعليق صدور الصحيفة لأجل غير مسمى مُنهيا المكالمة بدون أي تفاصيل أخرى واستمر توقفها 45 يوما. في نفس اليوم تم استدعاء رئيس التحرير من قبل نيابة الصحافة بحاضرة ولاية الجزيرة على بعد حوالي (186) كيلو مترا جنوب شرق العاصمة الخرطوم للمثول أمامها لمواجهة بلاغ من أحد منسوبي شرطة مرور الولاية على خلفية مقال لأحد الكتاب بالصحيفة انتقد فيه فرض غرامات على بعض مركبات المواطنين بحجة أنها ليست مركبات خدمة عامة وتعمل على توصيل المواطنين. في يوم 28 مايو تم اعتقال رئيس التحرير مجددا بواسطة نيابة جرائم أمن الدولة في البلاغ رقم 2699 تحت المواد (21، 24، 25، 26، 55، 66) من القانون الجنائي والمادتين (24، 26) من قانون الصحافة والمطبوعات مجموع سنوات الإدانة بها (18) سنة. وتم الاعتقال في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، ثم مداهمة مقر الصحيفة بقوة مسلحة قوامها (9) أفراد يقودهم رئيس نيابة جرائم أمن الدولة وكبير المستشارين بوزارة العدل. وقامت القوة في سابقة خطيرة بتفتيش مكتب رئيس التحرير وبقية مكاتب الصحيفة واستولت على وثائق لقضايا فساد نشرت وأخرى كانت في طريقها للنشر. وتم التحقيق مع رئيس التحرير في مقر النيابة من جانب (3) من وكلاء النيابة بقيادة رئيس النيابة لساعات متطاولة وشمل التحقيق قضايا نشرت في (20) عددا بدءًا بالعدد الأول من الصحيفة بتاريخ 10 مارس. بعدها أطلق سراح بعد منتصف الليل بعد التوقيع على تعهد شخصي ودفع غرامة وقدرها (50) ألف جنيه سوداني في حالة عدم الحضور للنيابة في أي وقت يطلب منه ذلك. في صبيحة اليوم التالي 29 مايو وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا تم اعتقال رئيس التحرير من أمام مبنى الصحيفة من جانب نيابة الأراضي في بلاغ آخر من مصلحة الأراضي بتهمة تداول مستندات رسمية تخص المصلحة تحت المادة (55) من القانون الجنائي، تتعلق بقضية فساد وكيل وزارة العدل. وتم اقتياده لمقر النيابة حيث أجري تحقيق معي بواسطة ضابط برتبة العقيد من شرطة المباحث، ثم أودعت سجن النيابة ثم أطلق سراحه في حوالي الساعة الرابعة عصرا بضمانة شخصية من شقيقي الأصغر. في ذات الجو المـُكفهر، تعرض رئيس تحرير صحيفة التيار للضرب المبرح في مكتبه حتى غاب عن الوعي تماما من قبل مجموعة مسلحة وملثمة وذلك بسبب آراء كتبها في صحيفته. وانتهى ملف الاعتداء إلى بلاغ ضد مجهول؛ واكتفت الرواية الرسمية إلى تقرير غامض ومبهم. البعض اتهم السلطات الأمنية بتدبير الحادث في محاولة منها لإرهاب الضحية الذي عرف بآرائه السياسية الجريئة، وليكون عبرة لآخرين.