19 سبتمبر 2025
تسجيلتقترب الانتخابات النيابية في تركيا.ثلاثة أشهر ونيف وتنعقد في السابع من حزيران/ يونيو المقبل. وهي انتخابات تكاد تكون حاسمة من عدة زوايا ومختلفة عن سابقاتها. ولعل أهم ما فيها أنها تجري للمرة الأولى من دون أن يكون رجب طيب أردوغان زعيما للحزب. حتى انتخابات العام 2002 والتي لم يترشح فيها أردوغان لأنه كان ممنوعا قانونيا من ذلك، خاضها أردوغان بصفته رئيسا للحزب.هذا العامل لا شك أساسي. فشخصية أردوغان لم تطبع فقط حزب العدالة والتنمية بل كل تركيا. لذلك بعد كل هذه السنوات الــ 13 ليس من السهل أن يخوض الحزب الانتخابات وعلى رأسه شخص آخر هو أحمد داود أوغلو.لا يمكن أن ننتظر نتائج دراماتيكية من انتخابات من دون أردوغان على حزب العدالة والتنمية. إذ أن الحزب سيحصد من النتائج بجريرة استمرار حضور صورة ونفوذ أردوغان. يمكن الكلام عن تأثيرات سلبية لغياب أردوغان على المدى الطويل، في انتخابات العام 2019 ، لكن ليس الآن.هذه الانتخابات مختلفة عن سابقاتها أيضا بسبب التطورات المتعلقة بالمسألة الكردية في تركيا وفي المنطقة.منذ سنتين والمفاوضات بين الدولة وحزب العمال الكردستاني بمختلف قياداته تجري على قدم وساق. المفاوضات مباشرة بين الاستخبارات التركية وزعيم الحزب عبدالله أوجالان المعتقل في جزيرة إيمرالي.وهي مباشرة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني والمتمثل في البرلمان بأكثر من عشرين نائبا. والمفاوضات غير مباشرة مع قيادة حزب العمال المتواجدة في جبل قنديل. ويقوم حزب الشعوب الديمقراطي بدور الوسيط ونقل الرسائل بين إيمرالي من جهة وقيادة قنديل من جهة أخرى.الوقائع تشير إلى أن كل طرف يعيش ظروفا ويقع تحت تأثيرات مختلفة عن الأطراف الأخرى.أوجالان معتقل وقنوات التواصل الحر أو المباشر مع قادة الحزب في قنديل معدومة. وهذا ثغرة في أن تكون للحزب وجهة نظر واحدة مشتركة ومتماسكة. أوجالان في النهاية معتقل ويفتقد لحرية التفكير أو السلوك والحركة ولا يستطيع الاطلاع على كل ما يجري في الخارج. ومتابعته للأخبار والتطورات محدودة بما توفره له السلطات التركية أو بما يسمعه من الوفود التي تزوره من وقت لآخر.أوجالان معتقل منذ العام 1999 وقد مرت الذكرى الــ 16 لاعتقاله في 15 شباط/فبراير الجاري. كان رمزا للنضال العسكري ولهدف إعلان استقلال الأكراد في تركيا في دولة مستقلة. لكنه فكره ورؤيته تغيرا كثيرا. ما عاد يطالب بالاستقلال بل بالحكم الذاتي وما عاد مصرا على العمل العسكري بل يدعو إلى النضال السياسي والديمقراطي.في المقابل فإن قيادة قنديل لا تخضع للضغوطات ولها حرية الحركة والقدرة على ترجمة التهديدات إلى فعل ضد الدولة التركية. وهي على تواصل مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة.والظرف الذي تمر به المنطقة حساس للغاية. الحالة الكردية تشهد تغييرات متعددة. أكراد العراق لهم فيدراليتهم. وهم يوسعونها في كركوك وسنجار ومناطق أخرى في العراق.وفي سوريا يمضي الأكراد السوريون في طريق ترسيم حيثية كردية معينة سيكون لها تأثير في مستقبل سوريا والشرق الأوسط. وتتشابك التطورات من عين العرب/ كوباني إلى ديار بكر إلى آربيل. السلاح الكردي لا يزال في قلب المعركة. وهو مستهدف من جانب أنقرة ومحم من جانب واشنطن وأكثر من ضرورة في المعركة دفاعا عن شمال العراق فضلا عن شمال سوريا. ووسط كل هذه المعمعة يراد للمسألة الكردية في تركيا أن تشهد حلا خلال ثلاثة أشهر أي قبل الانتخابات النيابية. وهذا من سابع المستحيلات.. بل غير وارد حتى بعد الانتخابات.من هنا تأتي وسائل إعلام تركية مؤيدة لحزب العدالة والتنمية لتوحي بذلك بالقول إن هناك جبهتين تتصارعان واحدة تريد حلا سلميا وتضم الحكومة التركية و أوجالان، وثانية تريد وقف العملية واستئناف المعركة العسكرية أو إبقاء استئناف العنف "سيفا مصلتا" فوق رأس حكومة حزب العدالة والتنمية وتضم قوى إقليمية ودولية فضلا عن قيادة جبل قنديل.مجرد أن يقول ذلك مقربون جدا من الحكومة التركية هذا يؤشر على أن الجهود لحل المسألة الكردية تعتريها عقبات وسدود. وما يبذل ليس سوى تقطيع للوقت في انتظار المعجزة الكبرى أو الانفجار الكبير.