13 سبتمبر 2025

تسجيل

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر...إلى متى السكوت عنها؟

21 فبراير 2015

بعد 55 عاما ما زالت الصحراء الجزائرية تعاني من تداعيات وآثار التجارب النووية التي أجرتها فرنسا الاستعمارية في منطقة رقان. جريمة بأتم معنى الكلمة في حق سكان المنطقة وأحيائها وترابها ورغم كل ذلك ما زالت فرنسا تتهرب من مسؤوليتها ومن الاعتذار وتقديم التعويضات اللازمة لأهالي الضحايا والضحايا الذين ما زالوا إلى حد الساعة يعانون من تداعيات التجارب. الطرف الجزائري مقصر والطرف الفرنسي يتهرب والمنظمات الدولية المعنية بقضايا البيئة والطاقة النووية لم تعط الموضوع أهميته. وحسب المختصين فإن معظم الأمراض السرطانية في المنطقة سببها التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية. قبل ما يزيد على خمسة عقود وبالضبط في 13 فبراير من سنة 1960 نفذت فرنسا تفجيرا نوويا "اليربوع الأزرق" في منطقة رقان في أقصى جنوب غرب الصحراء الجزائرية. بلغت قوته 60 كيلو طنا أي ما يعادل أربعة أضعاف قوة القنبلتين التي ألقت بهما الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناغازاكي في العام 1945. هذه القنبلة تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي. وفي الأخير اختتمت فرنسا جرائمها بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت بـ "اليربوع الأخضر" . تتلخص حصيلة الجرائم النووية الفرنسية في الجزائر في 57 تجربة نووية نفذتها فرنسا في ثلاث مناطق بجنوب الصحراء الجزائرية، منها أربع تجارب سطحية و13 تجربة في أنفاق باطنية و35 تجربة على مستوى الآبار و5 تجارب أخرى اُستعملت فيها مواد فتاكة محضورة دوليا. مسؤولية فرنسا في هذه الجريمة كاملة لا غبار عليها، و لا تحتاج إلى قرار إدانة. تجارب فرنسا النووية أدت إلى تلوث المنطقة برمتها في محيط 150 كيلومترا من موقع الانفجار. نفذت فرنسا بين سنة 1960 و 1966 أكثر من 20 تفجيرا نوويا على الأراضي الجزائرية، وما يزيد عن 40 تجربة نووية وهذا حسب تصريح العسكريين والخبراء الفرنسيين أنفسهم. هذه الجرائم تسببت في تلويث الغلاف الجوي والموارد الطبيعية وتفشي الأمراض كالسرطان والتشوهات الخلقية وغير ذلك. حيث ما زال أهالي المنطقة يعانون من تداعيات هذه التجارب حتى يومنا هذا. الجريمة الأكبر أن السلطات الفرنسية لا تريد الإعتراف بجرائمها كعادتها، ورفضت وترفض تسليم كل المعلومات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحتى الساعة ما زالت ملفات التفجيرات النووية الفرنسية سرية و غير متوفرة للإطلاع عليها، حتى للمنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة. وتجدر الإشارة هنا أنه من الناحية القانونية تعتبر التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ما زالت تداعيات وآثار الاستعمار الفرنسي في مستعمراتها السابقة حاضرة حتى الساعة، وما زالت مشكلات الحدود وأزمة الهوية والخلل الاقتصادي والتبعية الثقافية تحاصر العديد من الدول التي عانت من مآسي الاستعمار والظلم والعبودبة. فرنسا تخلت عن مستعمراتها وتركتها في دوامة من التبعية ومن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. كما فشلت فرنسا في وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع مستعمراتها وخطة عمل تتماشى مع المعطيات الجديدة في العالم. هذا الوضع فتح المجال أمام قوى فاعلة في النظام الدولي كالولايات المتحدة الأمريكية والصين و روسيا للاستفادة من الفراغ الفرنسي في القارة السمراء. الغريب والعجيب في الأمر أن فرنسا و بعد مرور ما يزيد على خمسة عقود من جرائمها في مستعمراتها السابقة ما زالت مصممة على عدم الإعتراف بما فعلته وعلى عدم الاعتذار، ومن جهة أخرى تصر على المحافظة على نفوذها في مستعمراتها والاستفادة من الامتيازات والتسهيلات والمجاملات في التعامل. للتذكير فقط، قصة فرنسا مع الجرائم النووية لم تخص الجزائر فقط وإنما بولينيزيا الفرنسية عاشت نفس الويلات والتجارب. المنظومة الدولية اليوم بحاجة إلى دراسة مشامل التجارب النووية بهدف الوصول إلى آليات عملية من شأنها أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات لمعالجة التداعيات والانعكاسات الخطيرة التي عانت وتعاني منها المناطق التي شهدت وعاشت تلك الجرائم النووية. فالعالم بحاجة لمعرفة هذه الجرائم ومن واجب القانون الدولي معاقبة المجرمين وإرغامهم على دفع التعويضات والقيام باللازم من أجل التخلص من الترسبات والملفات الناجمة عن تلك التجارب وكذلك الأوبئة والأمراض والتلوث البيئي. التناقض الصارخ الذي نلاحظه في عصر التناقضات والتضليل والتزييف والكيل بمكيالين، هو أن فرنسا تسعى إلى دعم وتطوير علاقات التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي والعلمي مع دول القارة السمراء، وتمارس ضغوطا كبيرة على إيران بشأن ملفها النووي وتدين تركيا بمجازرها ضد الأرمن، وترفض في نفس الوقت الإعتراف بجرائمها في مستعمراتها السابقة. المسؤولون الفرنسيون يصرحون أن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية "نظيفة" ولم تعرّض السكان والبيئة للإشعاعات ولأي نوع من الأمراض والانعكاسات السلبية. هذا الموقف من قبل بلد "الحرية والمساواة والأخوة" يذكرنا بقانون فرنسي يّمجد الإستعمار ويثني على الإيجابيات التي قدمها للمستعمرات. ألم ينّظر جول فيري ويقول إن الله خلق نوعين من البشر، نوع يوجد في الشمال خُلق ليسيطر و يقود النوع الثاني من البشر الذي يوجد في الجنوب. وحسب نظرية المنظر الفرنسي للاستعمار، الأوروبيون خُلقوا ليستعمروا الشعوب الأخرى حتى يعلموها الحضارة والتمدن والتطور. تمثل التجارب النووية في العالم إشكالا مهما جدا، لكن لكونه يخص المغلوب على أمرهم ويحرج القوى الفاعلة في النظام الدولي و يضعها أمام مسؤولياتها وأمام الجرائم التي ارتكبتها، فإنه لم يحظ بالإهتمام اللازم سواء من قبل وسائل الإعلام العالمية أو المنظمات الدولية. فمن حق الجزائر و من واجب الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تفرض على فرنسا تقديم خريطة التفجيرات بالتفصيل ومساعدة الجزائر تقنيا ولوجستيا وماديا لمعالجة الأضرار ومواجهة الموقف وتذليل مخاطر الإشعاعات. على فرنسا كذلك دفع تعويضات للجزائر وللمتضررين من الجرائم النووية التي ارتكبتها. المنطقة التي شهدت التجارب النووية بحاجة إلى دراسة للوقوف على الأضرار وتحديد السبل والوسائل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. مشكلة التجارب النووية في العالم و خاصة تلك التي أُجريت من قبل القوى الإستعمارية الغاشمة تحتاج إلى شبكة دولية تضم هيئات ومنظمات وجمعيات تهتم بالآثار السلبية والانعكاسات المختلفة على الإنسان والبيئة والمحيط. على المجتمع الدولي كذلك الاهتمام بالموضوع والعمل على إدارة هذه المناطق التي تعاني من التلوث الإشعاعي النووي بكل مخاطره على الإنسان والحيوان والمكان وللآلاف السنين. أين الضمير الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة والمنظمة الدولية للطاقة النووية؟