18 سبتمبر 2025

تسجيل

من ثوابت الأفكار لشبابنا الثوار

21 فبراير 2011

لا ريب أن الشباب في كل أمة ووطن هم عماد النهضة المنشودة وأساس البناء المكين، والشباب المتوثب المتدفق بعطائه بل ودمه هم الأمل الباقي الذي ينشده شداة الحرية ليبزغ من جديد شعاع النور من خلف الظلام والسديم وباختصار فإن نصوص الإسلام ركزت على قيمة الشباب ودورهم أيما تركيز وقال (غوتة) إنما يتوقف مصير كل أمة على شبانها. ولكننا ونحن نعيش اليوم هذا المخاض العسير والابتلاء الممحص بين الحكام والشعوب والذي نجح إلى حد كبير في ثورتي تونس ومصر ونقل العدوى الخيرة إلى بلدان أخرى بامتداد كاسح لابد لنا أن نذكر بأمور من البصائر التي أكد عليها الإسلام واعتبرها من عوامل النجاح المهمة في الجهاد المدني والجهاد المسلح على حد سواء لإسقاط كل الأقنعة الواهية التي كان يبدو أنها تكون ستارا حديديا أمام الشعوب يمنعها من الجرأة وتجاوز الخوف، ولعل المشكلة في حياتنا اليوم ليست عدم التقدم للحرية والكرامة فقد بدأ هذا المشوار وعلى صفيح ساخن ولكن المشكلة أيضا تكمن في ندرة أهل البصائر والحكماء الذين هم الملاذ الأكبر الواقي من بعض التهورات أو المؤامرات التي تحبط عمل الشباب وتسرق ثورات الشعوب وفي التاريخ أكثر من دليل على ذلك ومن هنا نؤكد على ضرورة اقتران حماسة الشباب بحكمة أهل التجارب من الشيوخ الذين حلبوا الدهر أشطره، أما كان الشاعر العربي معروف الرصافي ينبه إلى ذلك بقوله: وهدى التجارب في الشيوخ وإنما أمل البلاد يكون في شبانها وإن السياسة الحكيمة في ذلك لتظهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود (إن الحرب خدعة) وقوله في في قصة الشاعر أبي عزة الجمحي الذي أراد خدعة الرسول فقاتل ضده مرة ثانية ونقض العهد (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) وأمر بضرب عنقه، وهذا ما فهمه عمر رضي الله عنه (لست بالخب ولا الخب يخدعني). ولعلنا نشير إلى بعض المعالم والأفكار التي تظل مساعدة للشباب في نهضتهم وثورتهم على الظلم والطغيان على نور وبصيرة. أولاً: لابد من الاستناد إلى الإيمان العميق بصدق المطلب فهو الأول الأول والركن الركين الذي لا يخون وهو بمثابة الماء والهواء والغذاء والدواء بل هو الشفاء كله ومن طلب المزيد فليقرأ كتاب إذا هبت ريح الإيمان للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله ليرى مصداق ذلك، إن هذا الإيمان هو الذي يجعل صاحبه مخلصا في أدائه وهو أمر سماوي من الحق تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء..) "البينة". وكذلك فهو بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى، وفي المثل العربي كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك ولا شك أن المرء يشعر بالراحة مع الإخلاص بينما تعتبر الحياة كلها بلا إخلاص نوعا من الوقاحة على حد ما عبر عنه امرسون بل كان أبلغ في التعبير منه الشاعر المعري: ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا اكتسيت به فإنك عار فلابد للثوار أن يحافظوا على هذه العملة النادرة الاخلاص كي ينجحوا ولا اعتبار لأي توجه ينصر أي سياسة أو شخص من دون الاخلاص إذ أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه. ثانياً: الإرادة والحزم والعزم: فمن كانت له الإرادة كانت له القوة وسهلت عليه صعاب الأمور لأنه كما قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه إن لله عبادا إذا ارادوا أراد أي أرادوا الهداية والثبات على الطاعة فأراد الله عونهم على ذلك، وكما قالوا من يصمم على الانتصار يقترب جدا من النصر وكما جاء في المثل العربي الإرادة نصف الطريق بل سر النجاح وأن التردد أكبر عقبة في طريقه وكما قال عباس محمود العقاد ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضرب والنزال، إذ بالإرادة تصنع المعجزات ولا مستحيل امام العزيمة كما قال جون هيود، ويجب أن تكون هذه الإرادة عاقلة ومقدرة للأمور لا عشوائية هوجائية لأن كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار وتفشل، كما قالوا وعندها يأخذ الحزم والعزم دورهما كما قال عمرو بن يحيى: الحزم قبل العزم فاحزم واعزم وإذا استبان لك الصواب فصمم وعندها تصل المبتغى مع المتابعة الدؤوبة دون كلل أو ملل، كما قال صالح عبدالقدوس: وما لحق الحاجات مثل مثابر ولا عاق منها النجح مثل توان ولعلنا نلحظ أنه بالإرادة الحازمة استطاع الثوار في تونس ومصر أن يتقدموا. ثالثاً: الأمل والتفاؤل: فالإنسان البصير بطبيعة الحياة يدرك دائما أنه بعد الشتاء القارس لابد أن يأتي الربيع الجميل وان وراء الدجى فجرا يبتسم ويتبع الشاعر الطغرائي: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ويتفاءل على الدوام لأنه يدرك أنه إذا أشعل شمعة خير له من أن يلعن الظلام أن بل لا ينسى وهو في المدلهمات توجيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا). فالتفاؤل من الله، أما التشاؤم فيولد من دماغ الإنسان كما يقول الحكيم، ولا يغيب عنه إرشاد أبي الفتح البستي عن قضاء الله في الأمور: ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال رابعاً: الثقة بالله والنفس.. فإن من يثق بوعود الله للعاملين رغم الابتلاء يقطع أشواطا كبيرة إلى مسافات الأهداف ووعد الله لا يتخلف وفي النهاية فإن العبد راجع إليه وهو لا يهتم بسخرية الآخرين، كما قال سفيان الثوري رحمه الله: من عرف نفسه لم يضره ما يقوله الناس فيه، بل يثق بنفسه المستقيمة، فالثقة بالنفس والتفاؤل معديان في الخير ويا نعم العدوى كما أشرنا بل ان الواثق بنفسه يقود الآخرين كما قال هوراس: إن الرجل العصامي محل إكبار الناس جميعا كما قال الطغرائي: وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا على أحد وهو ما أكده شوقي: كم واثق بالنفس نهاض بها ساد البرية فيه وهو عصامي خامساً: الشجاعة والتضحية: وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني قال: قاتله، قال أرأيت إن قتلني، قال فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته قال: هو في النار فكيف بالذي يضحي لأجل وطنه وشعبه وحريتهما، بل انه إن ضحى ولم يمت شهيدا وسأل الله الشهادة بلغه ثوابها وهكذا يجب أن نكون: مشيناها خطا كتبت علينا ومن كتبت عليه خطا مشاها تقضي البطولة ان نمد جسومنا جسرا فقل لرفاقنا أن يعبروا كما قال عمر أبو ريشة: فالشجاع المضحي لا يأبه بالموت حتى لو جاء في كفاح سلمي مدني فهو فرح بكلام ابن مسعود رضي الله عنه أشرف الموت موت الشهداء وان اول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس، كما قال مدام دوستايل حيث إنه ثبت أنه لا يعيش الحب إلا بالتضحية كما أشار رابليه. سادساً: التعاون والاتحاد: فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعون المظلوم فنحن جميعا نجذف في قارب واحد كما قال زينون وكما قال دايل كارنيجي: عندما يعمل الاخوة معا تتحول الجبال إلى ذهب وفي المثل العربي لا يعجز القوم ما تعاونوا على ان يكون هذا التعاون على البر والتقوى وحسب خطاب الاسلام الإنساني فالمؤمن المؤمن كالبنيان المرصوص، ومع أن ذا القرنين قد آتاه الله من كل شيء سببا لكنه طلب الاعانة ممن طلبوا منه أن يقيم السد.. وإنما يكون هذا التعاون بالاتحاد لا بالتفرق فالجماعة رحمة والفرقة عذاب كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وقد وعظ الحكيم أبناءه بالاتحاد وهو معن بن زائدة: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أحادا فيد الله مع الجماعة وكما قال حافظ إبراهيم: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها وهذا ما فعله بنا الطغاة المستبدون الفرديون وعلى كل فالتعاون والاتحاد قانون الله ورسوله والطبيعة والواقع، فعسانا بمثل هذه المعالم نؤمل استمرار النجاح للشباب والثورة مع الأخذ بالحيطة والحذر.