29 أكتوبر 2025
تسجيلقتل شاب بالرصاص أثناء المظاهرات، خبر كهذا قد يمر عليك عادياً من كثرة الأخبار الكئيبة التي اعتدنا سماعها بنشرات الأخبار، لكن عندما يكون هذا الخبر خاصا جداً لأن هذا الشاب الذي قتل هو ابنك، أو أخوك، أو أبوك يصبح للخبر وقع آخر وطعم حارق آخر لا يحسه إلا أنت، إنه الخبر الطلقة التي تنفذ إلى قلبك، لتكويه بحزن خرافي الألم، وليبدأ نزف لا توقفه ضمادة ولا أعتى طبيب لأنه نزف ينطق بكل أوجاع فقد الحبيب وافتقاده وغيابه للأبد. نعم لكل حرية ثمن، ولكل كرامة مستردة فاتورة، لكني أتابع رغماً عني محزونة ما تنقله الشاشة من عذابات، ودموع، لأمهات، وزوجات، وآباء فقدوا أحباءهم برصاص الغدر ليثور في روحى غضب عارم وأمنية أن يحاكم (مبارك) في التو واللحظة ليهدأ عذاب الأمهات، ودموع الآباء، وعويل الموجوعين، ويا ليت (مبارك الأب) يتخيل أن الرصاصة التي أردت شباباً في عمر الورد قد اخترقت صدر جمال أو علاء أو صدر أحد أحفاده، ليتخيل إن كان مازال لديه قدرة على التخيل ليحس أي أنين، وأي حزن كاوٍ، وأي يتم ملأ به البيوت قبل أن يمضي، ليته يتخيل مئات البيوت الغارقة في حزنها وقد فارقها الابن، والزوج، والسند، أقسم بالله لو أن رصاصة نالت من "ظافر" أحد أولاد (مبارك) لملأ الدم الطرقات ثأراً من الشعب الضحية، ولما أغمض اليوم عينيه إلا على مجزرة قام بها القائمون على حراسة نظامه بدعوى المصلحة العليا للبلاد، ولكان القصاص (مائة ألف قصاص في بعض) أما شبابنا الشهداء، أما ورودنا النبيلة الجميلة فهي في نظر النظام مجموعة مخربة مندسة وجب تأديبها حتى لا تغني خارج سرب الخضوع، والخنوع، والانحناء طوال ثلاثين عاما كانت حتما ستمدد لولا أن هفت نفس (جمال مبارك) للجلوس على كرسي الحكم الوثير لأعوام مديدة عديدة، فيها يستكمل الإجهاز على ما تبقى ان كان قد تبقى شيء من الصمود في وجه الإذلال العتيد. عز على (الريس) أن يكرر الشباب حكاية الطفل الذي لم يأبه بنفاق الأعوان والرعية فقال للملك (ولكنك عارٍ) لم يطق السيد الرئيس أن تقول الرعية تعبنا، مللنا أوجاعنا، وفقرنا، وهمنا، وذلنا، وأمراضنا، وحراسة أحلام تموت قبل أن ترفرف، مللنا نفاقنا، وتزلفنا، وأيدي تلتهب بالتصفيق وإلا، مللنا (بالروح والدم نفديك يا زعيم) بينما دمنا المليء بسرطانات التلوث يئن في عروقنا. عز على (الريس) أن يجترئ الشباب ويقول (لا) للنظام، فحصدهم رصاص الجبروت، ليدفن منهم من دفن مجهولا لم يتعرف عليه أحد، ولم تودعه أمه، ولم تعانقه لآخر مرة، دفن كالغرباء دون حتى واجب العزاء، لم يجامله أحد بعزاء من عزاءات حكومة السيد (أحمد نظيف) التي صرفت (عشرة مليارات) جنيه واجبات عزاء للمقربين، والوزراء، والمحاسيب، وأصحاب المصالح المشتركة، وشركاء المشاريع التي تبيض ذهبا، نعم (عشرة مليارات) جنيه مصاريف عزاء حكومة (نظيف) طبقا لتقرير الجهاز المركزي للحاسبات، في الوقت الذي انتحر فيه مواطن لم يجد ثمن الكشف الطبي على طفلته الوحيدة، هذا غير 150 مليار جنيه هربت من البنوك إلى الخارج!!! أتابع الأوجاع كل يوم، ويمتلئ خاطري بصور لا يمكن أن تمحى، لا يمكن أن أنسى صورة عربات الأمن المركزي وهي تفعص الناس تحت عجلاتها بدم بارد فتقتلهم وكأنهم صراصير، ولا الدبابات التي تسدد مدافعها للصدور الشريفة، ولا صورة جِمال البلطجية التي هشمت ضلوع الناس بوحشية، ولا خراطيم المياه المسددة لشبابنا وهو يصلي، ذاكرتي تحتفظ بالصورة، وألمها وأفشل مرارا في دفع حزن وحشي يوصلني إلى حد الإعياء، ولا عزاء لكل الموجوعين إلا بقصاص عاجل وعادل اليوم وليس غداً. * * * * طبقات فوق الهمس: * كل من كان يعرف معاناة شيخنا الجليل د. يوسف القرضاوي وما كان يفعله النظام من ملاحقات له، يعرف معنى إطلالته علينا من ميدان التحرير وسط التهليل والتكبير، لقد ذكرني بالآية النبيلة العظيمة: "تعز من تشاء، وتذل من تشاء" وما أفدح الفرق بين العز والذل. * قال المنتفعون الباكون على النظام لقد تسببت الثورة الشبابية في خسارة البلد مليارات كل يوم! ولهم نقول: (معلش البركة في أرصدة من سرقوا مليارات مصر حيعوضوعها إن شاء الله). * انطلق طوفان الغضب العربي من بلد لآخر بسرعة الصاروخ، قال البعض: إنها الفوضى الخلاقة، إنها الشرق الأوسط الجديد، واقول إنه الظلم والفساد الذي لم يترك في النفس صبراً، إنه الكرامة عندما تثور ثأرا لعزتها، إنها نار لا تخمد إلا وقد حققت ما تريد. * غريبة أن ينتبه الحكام العرب فجأة لعمليات الإصلاح الكبرى، أين كانوا قبل أن تنفجر الشعوب؟ آه افتكرت كانوا في "الساونا"!