17 سبتمبر 2025
تسجيلهناك من المهتمين بالشأن الدعوي والعمل الخيري من يرفض كل فكرة قديمة ويراها كلها بالية ولا فائدة منها.. بينما في الجهة المقابلة نجد من لا يعبأ بأي تجديد في الأفكار والممارسات ويراها كلها بدعا ولا فائدة منها. ونحن هنا نتحدث عن الوسائل وليس عما هو توقيفي منصوص عليه فالأمر فيه محسوم، والحق وسط بين هذين الطرفين، فليس كل قديم باليا لا فائدة منه، وكذا لا يوصف كل جديد بأنه ساذج أو مبتدع، وقد وقع نفر من المسلمين في أمر البدعة في الإفراط فلم يفرقوا بين العبادات والمعاملات، فجمد بعضهم على الوسائل التي ورثوها حتى ولو كانت من الأمور والوسائل الدنيوية البحتة التي لا علاقة لها بالعبادات، وفرط آخرون فلم يفرقوا بين ما هو من أمور العبادات وما هو من أمور المعاملات فابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله بزعم التحضر والتقدم، وحدث خلط كبير في المفاهيم. وكان الواجب أن يصطلح كل فريق على حقه، فالعبادات الأصل فيها المنع والحظر والتوقيف، أما المعاملات فالأصل فيها الإباحة إذا روعيت ضوابطها. والمتأمل في سيرة رسول الله — صلى الله عليه وسلم — وسير السلف الصالح يلحظ قبولهم بالجديد، إن بدت له الحاجة، كما أنهم يلتزمون بالقديم طالما استمرت الحاجة إليه. انظر مثلا إلى حفر الخندق يوم غزوة الأحزاب، وإلى تمصير الأمصار، وتدوين الدواوين مثل: ديوان العطايا وديوان الخراج على عهد عمر بن الخطاب، ولم يكن ذلك معروفا من قبل، فذلك دليل على أن السلف لم يجدوا غضاضة في كل ذلك. يقول ابن تيمية — رحمه الله —: "لما كثرت الأموال على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — وضع الدواوين ديوان الخراج وهو ديوان المستخدمين على الارتزاق واستعمل عليه عثمان بن حنيف، وديوان النفقات وهو ديوان المصروف على المقاتلة والذرية الذي يشبه في هذه الأوقات ديوان الحبس والثبوتات، ونحو ذلك واستعمل عليه زيد بن ثابت". فلا حرج في الاستفادة من كل جديد إن بدت الحاجة وكانت منه فوائد، ولنبتعد عن الجدال والمراء ولنصلح أنفسنا بإحسان الظن بالآخرين، وإن بدا لنا رأي فيما يفعلونه فليكن نصح أهل الود والمحبة لا نصح أهل التنقص والعداء. فإن هذه الخصومات تمحق الحسنات وتعطل الأعمال، وتشغل المسلمين ببعضهم وبمعاركهم الجانبية أحوج ما يكونون للعمل والجهد؛ لدفع عجلة التقدم، والسير في إصلاح المجتمع. قال ابن عباس — رضي الله عنهما —: "كفى بك إثما ألا تزال مماريا". وقال الأوزاعي: "إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل ومنعهم العمل". وقال محمد بن حسين بن علي: "الخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء في صدور الرجال". وقيل لعبد الله بن الحسن بن الحسين: "ما تقوله في المراء؟ قال: يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة". وقال الشافعي: "المراء في الدين يقسِّي القلب ويورث الضغائن". فالله — تعالى — أسأل لنفسي وإخواني أن يحسن نياتنا، وأن يعيننا على طاعته وعلى البذل لدينه من غير انتقاص للآخرين..اللهم آمين.