18 سبتمبر 2025

تسجيل

الشيخة موزا والدعوة لرعاية اللغة العربية وتنمية الطفل

21 يناير 2016

جاء أمس افتتاح منتدى النهوض باللغة العربية في دورته الثانية تحت عنوان "التنشئة اللغوية للطفل العربي.. الواقع وآفاق المستقبل"، الذي يعقد في قاعة المؤتمرات بالدوحة على مدى يومين هما 20 — 21 يناير 2016 م ليثبت للعالم ان دولة قطر تهتم بلغة الضاد كلغة رسمية واساسية في معاملاتنا وحياتنا اليومية، وكجزء من هويتنا العربية والاسلامية التي لا نحيا الا بها لكونها لغة القرآن الكريم ولغة اهل الجنة ايضا. وقد تحدثت عن واقع اللغة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية مؤكدة "ان أي مقاربة لمشاريع تنمية الطفل هي مقاربة مباشرة لتصوراتنا حول شكل المستقبل الذي نتوق إليه طالما آمنا بأن الأطفال رأسمال في الحاضر مهيأ للاستثمار في المستقبل".وقد جاءت كلمة صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع وافية وشاملة في افتتاح المنتدى، حيث تطرقت الى عدة موضوعات مهمة تتعلق بواقع لغتنا العربية الأم، ونقتبس منها ما قالته نظرا لأهمية ما ذهبت اليه، حيث قالت "اننا لم نستثمر التقدم العلمي الهائل، وتحديدا في مجالات التعليم والمعلوماتية والاتصالات والإعلام، في تنمية التنشئة اللغوية، وتركنا أطفالنا يستخدمون لغات أخرى حتى في مخاطبة أولياء أمورهم، وان ما حدث ويحدث هو إخفاق في احتواء المستجدات، لكون الاستخدام السلبي لتقنيات التواصل أدى إلى الإضرار باللغة العربية كثيرا وأدخل شبابنا في رطانة لغوية إلكترونية"، مبدية حزنها أن تكون عربية الأطفال قبل حوالي عدة عقود أفضل من عربيتهم في الوقت الحاضر، وتساءلت سموها لماذا حدث ذلك؟ وأين مكامن الخلل؟.وقالت أيضا:إن المشكلة تفاقمت عبر تراكم أسباب إشكالية من بينها: تراجع الاهتمام الأسري باللغة العربية، وضعف مناهج وطرائق تدريس اللغة العربية، وانحسارها في البرامج التلفزيونية واستبدالها باللهجات العامية، وعزوف الأطفال عن قراءة أدب الطفل بسبب الميل نحو الألعاب الإلكترونية ووسائل الترفيه الحديثة عموما، التي فشلنا في إنتاجها محليا أو تعريبها.وأضافت:إننا نعايش قطيعة ثقافية بين اللغة الفصحى واللهجات العامية، فقد أمسى التحدث بالعربية الفصحى، من قبل العربي، وكأنه حديث بلغة أجنبية، وصرنا نستمع حتى إلى أدباء وكتاب وفنانين يتحدثون إلى وسائل الإعلام بلهجاتهم وان مثل هذه الإشكالية تستدعي نظرا وعملا بحثيا وتطبيقيا جادا لتبسيط اللغة العربية في المناهج المدرسية، مثلا، وأن يصار إلى إلزام البرامج التلفزيونية باستخدام الفصحى.وأشارت سموها الى تراجع اللغة العربية قائلة:وإذا ما تم تكريس هذا الواقع (واقع تراجع اللغة العربية عند الأطفال) فإن المستقبل الذي يمثلونه سيشهد غربة العربية، وستكون الهوية في مهب الريح، بعد أن تخسر حصنها اللغوي، فالأمم تتحصن بلغاتها قبل أي شيء آخر والعربية بالنسبة إلينا، كما وصفها العقاد، هي "الهوية الواقية".وحرصت سموها كما جاء على لسانها في المنتدى أمس على التشخيص والعلاج لذلك قائلة:إذا ما اتفقنا على دقة وسلامة التشخيص، فإن تحديد العلاج ليس صعبا طالما توفرت رؤية للمعالجة، مشيرة إلى أنه لكي ننجح في التأثير والتغيير نحتاج إلى استنهاض وحشد إرادة عربية رسمية ونخبوية وشعبية على مستويات تشريعية وتعليمية وثقافية وإعلامية بغية الشروع في الإجراءات الكفيلة بحماية اللغة العربية والنهوض بها.وواصلت سموها تحدثها عن النهوض باللغة العربية مؤكدة على:جهود الشراكة بين المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية ومعهد قطر لعلوم الحوسبة في تطوير العديد من البرامج، خصوصا برنامج تحويل الكلام المنطوق إلى نص مكتوب وبرنامج تحليل التغريدات العربية، فضلا عن برنامج معالجة اللغة العربية حاسوبيا، وهي برامج طموحة وواعدة، لكي تساهم في إثراء المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية ولتعود بالفائدة على الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر استخداماً للشبكة.. مع توظيف بعض شراكاتها لخدمة أبناء المهاجرين العرب في البلدان الأجنبية. وأن التحدي الثقافي الأكبر الذي واجهته الأسرة العربية في الغرب يتمحور حول الحفاظ على الهوية التي لا يمكن أن تتجلى السنتنا إلا بلغتها العربية، ونوهت بأهمية دعم الأجيال العربية المهاجرة في حماية هويتها، وتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بالتعاون مع مجالس الجاليات ووزارات التعليمفي بلدان المهجر، وأن انسجام الإنسان مع ذاته ثقافيا ولغويا وبالتالي مع هويته يجعله سويا ومنتجا، وإذا ما غاب هذا الانسجام فإن تصدعات الهوية ستنعكس سلبا على أنماط السلوك وتحفز الميل نحو العنف، وقد يكون في تجاهل الهوية العرقية والدينية وتهميش أصحابها في بعض البلدان الغربية ما يفسر غضب التصدعات. وانه "عندما اجتاح العالم طوفان العولمة لم يكن لأحد أو لثقافة أو للغة أن تنأى بنفسها عن تأثيراته، وكان أمام مختلف الأمم، ونحن منها، واحد من خيارين: إما أن يعولمنا أصحاب العولمة كما يشاؤون وإما أن نجد سبيلا للانسجام مع العولمة بهويتنا ولغتنا".واعترفت سموها، بأن المنظومة الثقافية العربية أصيبت بخلخلة كبيرة في بادئ الأمر، وقالت "انتبهنا إلى أنه لا منجاة إلا باللغة العربية باعتبارها حافظة الهوية التي تتجلى فيها ثقافتنا وتراثنا وتاريخنا وآدابنا، فحقيقة المسألة، كما يردد أهل النسبية اللغوية "لغتي هي عالمي، وحدود لغتي هي حدود عالمي"، وإذا ما أردنا أن نبقى ونتفاعل ونصون هويتنا فلا مناص من النهوض باللغة العربية وتأهيلها لمواكبة المعرفة الإنسانية ومفاهيمها.ولم تقتصر كلمة سمو الشيخة موزا بالأمس على هذا الحد بل تطرقت الى قضايا اخرى مهمة تتصل بثقافتنا وهويتنا في هذا العصر، ومنها قضية توحيد المفاهيم، حيث اكدت انها قد تكون واحدة من أكبر الإشكاليات المعرفية التي تواجه اللغة العربية، إذ انتشرت في الأوساط الثقافية العربية صيغ مختلفة لتعريب المفاهيم، ليس مغاربيا ومشرقيا فحسب، بل في كل من المشرق العربي والمغرب العربي تعددت الاجتهادات.وقالت كذلك "ما أود إيجازه بكلمات أخرى، أن لكل نهضة خصوصية، ولكل خصوصية لغة، وإذا لم ترق لغتنا إلى القدرة على استيعاب النهوض فإن أي نهضة، وإن حدثت، ستكون مشوهة وغير أصيلة. وكما النهضة في الصين تنطق بالصينية، والنهضة في اليابان تنطق باليابانية، نواجه تحديا كبيرا في إنتاج نهضة تنطق بالعربية، وفي زمن التشرذم والانقسامات والاستهدافات لم يتبق أمامنا سوى اللغة العربية لنحتمي بها، صونا لهويتـنا القومية والثقافية، ولكي لا نغترب في وجودنا الحضاري، فالعربية هي الصوت الذي نحضر بحضوره ونغيب بغيابه، فما ذلت لغة شعب إلا ذل، كما قال مصطفى صادق الرافعي.وأشارت في الختام الى اهمية البيئة التربوية قائلة:ما دام إيماننا راسخا بأن اللغة هي جوهر الهوية وحصنها الأخير، فلابد لهذا الحصن من فرسان يذودون عنه بسيوف اللغة بعد أن ألهمتهم بيئاتهم التربوية الجوهر اللغوي للهوية، فالأطفال الذين لا يتأصلون باللسان العربي في بيئاتهم الأسرية سيظهرون بهوية هجين وستغلب الرطانة والعجمة والسطحية على أدائهم اللغوي ويلجأون إلى التعبير عن أنفسهم بلغة أجنبية.** كلمة أخيرة:لابد أن تزهو لغة الضاد أبدا بضادها، لكي لا تكون هويتنا في مهب الريح، وهذا ما أكدت عليه بالأمس صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في منتدى النهوض باللغة العربية.