16 سبتمبر 2025
تسجيلوعند التأمل في الفكر السياسي للخضر يجد الباحث أن هذا الفكر يرتكز على أربع ركائز: أ- البيئة، وهو مفهوم فكري يهتم ويركز على العلاقات المباشرة بين الإنسان والطبيعة، وينطبق هذا على الاقتصاد والبناء والنظام التعليمي والثقافة الروحية بوجه عام. ويدعو أنصار البيئة إلى إنتاج طاقة بديلة من الشمس والماء والرياح والأنهار، كما يدعون إلى تطور نظيف للتقنية يعكس العلاقة التوافقية مع الأرض، كذلك يطالبون بطرق جديدة للزراعة، وتوقف نهب الخيرات بطريقة مدمرة للتوازن الطبيعي، حيث النفايات والإشعاعات والتلوث الجوي. ب- العدالة الاجتماعية، وذلك لحماية الطبقة الفقيرة من سيطرة المجتمع الاستهلاكي والمطالبة بتشريعات جديدة تصون حقوق المرأة والأقليات التي تعمل وتعيش في ألمانيا. ج- ديمقراطية القاعدة، لأن مركزية السلطة تعني الخطر والشرور، حيث التنافس الاقتصادي والاستغلال البشع والحروب. د- تجنب العنف؛ وهذا يعني وقف كافة أساليب العنف الشخصية والعامة وهو العنف، أو الاضطهاد المفروض من مؤسسات الدولة، ولهذا فالخضر يطالبون بإدخال مادة التعايش السلمي في المناهج المدرسية. ويذهب الخضر أحيانا إلى أبعد من ذلك في تبريراتهم، فيقولون إن المعنى الأخلاقي الوحيد لوجود القوى العسكرية هو أن تحمي وتدافع عن شيء تحبه، ولكن في عصرنا النووي صار لا وجود لهذا المعنى، فالخدمة العسكرية الآن تصبح عملا غير مشرف وتركها أصبح قرارا أخلاقيا وعقلانيا في آن واحد. فليس من المعقول أخلاقيا وإنسانيا أن يعيش المواطن الألماني – الذي لا تتجاوز دولته في مساحته عن مساحة ولاية أمريكية كبيرة تحت مظلة من 5000 رأس نووي ووسط ترسانة عسكرية مرعبة. إن هذا يعني حتماً أن تكون ألمانيا وقودا للمحرقة النووية القادمة. لذلك فالسلام يعني الكثير في سياسة الخضر، ففلسفة هذا التنظيم تنظر إلى الدولة القومية الكبيرة على أساس أنها تمثل العرقية والتعصب ومن ثم القهر والاستغلال لغيرها، لذلك فهذا التنظيم يدعو إلى تقليص عدد المجندين والانسحاب من حلف الناتو على المستوى المحلي؛ أما عالميا فالخضر ضد سياسة الردع النووي ويطالبون بحل حلفي وارسو والناتو، وينادون بإقامة محكمة دولية لمحاكمة السياسيين والعسكريين والعلماء، الذين يطورون ويحدثون الأسلحة لدمار وهلاك البشرية. ومن أجل التوازن البيئي يرى التنظيم أنه لابد من إعادة توزيع الثروة، وخاصة بين البلدان الصناعية والعالم الثالث، ويبقى تحقيق هذا المطلب ضربا من المستحيلات طالما ظل 5% من السكان يستهلكون ثلث الطاقة الإنتاجية، وفي هذا هدر واستغلال الطبيعة بهدف الربح فقط وليس لتلبية حاجات الإنسان. ومن خلال التأمل لمفهوم التنظيم الاقتصادي يظهر بجلاء أن الخضر: - كانوا ضد الملكية العامة لأن المركزية لديهم تعنى السلطة، والسلطة تعني القهر والاستغلال. - فتحوا ملف المرأة على مصراعيه، بدءا بحرية التعليم ومساواة الأجر وانتهاء بقضية الحمل وحق الإجهاض. - كانوا ضد الصناعات الكيماوية؛ حيث صناعة المبيدات والأدوية ذات المضاعفات الخطرة على الإنسان والطبيعة نفسها. - كانوا مع التقنية النظيفة التي تسعى إلى الخدمة العلمية لمستقبل البشرية والطبيعة. - دعوا إلى نشر تعليم الكمبيوتر حتى للمراحل الابتدائية، حتى لا يكون هذا الفرع من المعرفة حكراً على فئة قليلة. - تبنوا قضية العمال الأجانب، فهم ضد تصاريح العمل المؤقتة، ومن حق أبنائهم أن يعيشوا في ألمانيا كمواطنين. - وهم مع حرية الصحافة ووقف الدعايات التجارية في التلفاز، ليكون هذا الجهاز بعيدا عن الضغوطات والمؤثرات الخارجية. وصفوة القول وتقييما لتجربة الخضر السابقة الذكر يخرج الباحث بالنتائج الآتية: * إن الخضر قد غيروا الكثير من المفاهيم السياسية، ولم تعد السياسة حكراً على الرجال وفعلا "ذكوريا". * أدخل الخضر سياسة عملية تجريبية، وصاغوا أفكاراً جديدة في معنى الزعامة والمنصب القيادي. * خلط تنظيم الخضر الجد بالفرح والعلم بالأخلاق، أو ما يمكننا تسميته بالأدبيات الخضراء للعمل السياسي، إن هذه الأدبيات تجعلنا نقول: "يحيا الدرب الأخضر الجديد.. وتسقط حدائق الأسمنت والفولاذ".