17 سبتمبر 2025

تسجيل

مذكرة إسلاميي السودان.. هذا أو الطوفان

21 يناير 2012

عاصفة من الجدل أثارتها تلك المذكرة التي قدمها عدد من منسوبي المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الأسبوع الماضي.. المذكرة أفقدت الحزب بعض التوازن، لأن أدب المذكرات في السياسة السودانية، يعني الاحتجاج بل هي نوع من أنواع التظاهر ضد الراهن السياسي.. أهمية المذكرة أنها جاءت في توقيت حرج ولم تفرق بين الحركة الإسلامية في السودان وبين حزب المؤتمر الوطني، واستهدفت القيادات التي هي قيادات لكلا الجسمين السياسيين في أغلب الأحيان.. الرئيس عمر البشير رئيس الحركة الإسلامية بينما نائبه الأول علي عثمان محمد طه هو أمينها العام.. على المستوى القاعدي؛ كل منتم للحركة الإسلامية هو بالضرورة عضو في المؤتمر الوطني، لكن ليس كل عضو في المؤتمر الوطني هو عضو في الحركة الإسلامية.. تناولت المذكرة انتقادات (مؤلمة) لمآلات الوضع السياسي في السودان، أهمها ما أسمته المذكرة (انحراف عن جادة الطريق) والمقصود هنا التعبير عن إحباطات أصحاب المذكرة جراء ما يرونه من تخلي عن الأهداف (السامية) التي من أجلها صعدت الحركة الإسلامية وجناحها السياسي (المؤتمر الوطني) لسدة الحكم في السودان.. القيادات تعاملت بذكاء أو (بخبث) مع المذكرة، حيث حاولت امتصاصها باستخدام تكنيك أفصح عن خبرة سياسية مقدرة.. رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني سارع ووصف المذكرة بأنها عادية وأنها لو عرضت عليه لوقع عليها!!. وهكذا توالت التصريحات على هذا النحو في الأيام الأولى، ولكن بعد عملية (الامتصاص) تغيرت اللهجة ومالت إلى التهديد والتوبيخ حين أعلن قيادي مسؤول عن ما يعرف بلجنة الحسبة في الحزب عن إجراءات لمحاسبة الذين كتبوا المذكرة لأنهم (خرجوا عن المؤسسية).. هذا التطور اللاحق ربما يؤكد تحليل البعض أن ما نشر باعتباره المذكرة ليس كذلك وإنما كانت مذكرة (مزورة) ومخففة أعدها مسؤولو التأمين في الحزب في إطار تكنيك الامتصاص، بينما أصل المذكرة كانت حادة وصارخة في النقد وتم التعتيم عليها وساعد على ذلك أن الذين كتبوا المذكرة أرادوا ربما خوفا أن يكونوا خلف الكواليس في انتظار ردود الفعل.. عموما فإن المذكرة مسألة جادة لابد أن يأخذها الحزب بجدية ويدرس أسبابها ويتدارك أي (ربيع داخلي) يطيح بالقيادات الحالية التي يرى فيها كثير من شباب الحزب أنها (تكلست) وأصبحت غير فاعلية ولا تواكب التطورات السياسية الراهنة وأصبحت تتمسك بكراسيها التنظيمية والتنفيذية. من المعروف أنه لابد لكل حزب أن يعتمد استراتيجية لقبول الآخر داخل أطره وهياكله.. هذه الاستراتيجية تكسب الحزب خاصية التطور والاستمرارية والتواصل وتلقيح أفكاره وسياساته.. الموقعون من شباب حزب المؤتمر الوطني على المذكرة يرون أن القادم لحزبهم يجب أن تكون لديه قناعة بأن حزبه الجديد يتفوق ويتميز على حزبه القديم، وهو على استعداد تام لكي يلبس ثوبا جديدا بعد أن يخضع نفسه لعملية (Format) أو (فرمطة).. الأصل عند أولئك الشباب أن يستوعب نظام و(System) المؤتمر الوطني القادم الجديد لكنهم يرون أن كثيرا من أولئك القادمين الجدد يفرضون رؤاهم أكثر من أن يفرض حزب المؤتمر رؤاه عليهم.. بمعنى أن منطق البصل الفاسد يسود في كثير من الأحيان وتصبح عملية الاستيعاب وبالا على الحزب فيصبح كيانا موبوءا بأمراض الأحزاب الأخرى. الشباب يرون أنهم بذلوا الغالي والنفيس من أجل الفكرة وينظرون اليوم بدهشة من موقعهم على حواف الحزب وهامش الزمن لما يجري داخل أروقة ودهاليز المؤسسة الحزبية.. ما يؤلمهم أن روحا مغايرة تبدو أنها تسري في أوصال الحزب، روح كادت تحذف جل المرتكزات الفكرية. الشباب ينعون في مذكرتهم الشورى التي يرون أنها جزء من الدين، وطاعة لله، وقدوة صالحة يُؤمر بها الأنبياء قبل غيرهم؛ حتى لا يتعاظم عليها من يدَّعون النزاهة والأهلية والفقه، فليس بعد الأنبياء في الصلاح والعصمة أحد. فالشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي الذي فيه خير الفرد والمجتمع.. هي حق للأمة وواجب على الحاكم، وهي نظام سياسي واجتماعي، وحلقة وصل بين الحاكم ورجاله.. والحقيقة أن ما بين مفهومي الشورى والديمقراطية ليس أمرا جدليا، لأن الأمر بكل بساطة بيّنٌ وواضحٌ.. المفاضلة بين الشورى والديمقراطية مقارنة عبثية لا تقوم على نهج قياسي صحيح، وهي تشبه المقارنة بين الهدف والطريق التي تؤدي إلى ذلك الهدف.. فالشورى مبدأ والديمقراطية واحدة من تطبيقاته المختلفة. الشورى ثقافة وقيم ومبادئ، والديمقراطية مشروع وخطة.. الشورى من الثوابت الإنسانية التي لا يختلف عليها اثنان، كالحرية والمشاركة والمساواة والتعددية، واحترام الرأي الآخر، أما الديمقراطية هي مجموعة الوسائل والتكتيكات والأدوات التي يسخرها شعب من الشعوب لبناء نظامه.. لهذا تتعدد الأنظمة الديمقراطية، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم.