31 أكتوبر 2025
تسجيلقبل عام تقريباً، كنا إزاء موقفين لدى النخب الثقافية في العالم العربي فيما يتعلق بنظرتهم للإسلام السياسي. فالقوميون وبعض اليساريين كانوا يفرقون بين التيارات الإسلامية ويصنفونها ما بين تيار معتدل كحال الإخوان المسلمين وتيار متشدد أصولي كحال تنظيم القاعدة. أما الليبراليون وغلاة العلمانية وبعض اليساريين كانوا لا يفرقون بين الإسلام السياسي وغير السياسي ولا بين السلفي ولإخواني، ويرون أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يشكل ردةً ثقافية وفكرية واجتماعية، وسيجعل من العالم العربي نسخة مطابقة لما هي عليه الجمهورية الإسلامية في إيران التي تعتبر من أكثر دول العالم خروجا عن الشرعية الدولية. اليوم ومع التبدلات التي تعيشها دول وشعوب العالم العربي لم تعد عمليات الفرز التي كانت تقسم الإسلاميين إلى معتدلين مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في كل من المغرب وتونس واليمن والأردن ولبنان وإلى متشددين مثل تنظيم القاعدة ومن يتفق معه في كثير من الأفكار والطروحات مطروحة بل تأثرت هي بدورها بما أفرزه الربيع العربي من مفاهيم جديدة. قبل الربيع العربي كان يخرج المتنور العربي الذي يدعي التجرد والتسامح ممن يوصفون بالقوميين والعروبيين لتشجيع الإخوان للاستفادة من حزب العدالة والتنمية التركي وتجربته الفريدة في تبني ودعم قيم الحرية والعدالة والديمقراطية يوم كانت تركيا بقيادة أردوجان تدعو الغرب إلى حوار مفتوح مع العالم العربي والإسلامي. بعد الربيع العربي تبدل الوضع وبدأت سهام القوميين، وليس كلهم طبعاً، تتوجه بالنقد اللاذع للإخوان المسلمين في مصر وتتعمد وضع الإخوان والسلفيين والقاعدة في سلة واحدة، وبدأنا نسمع أصواتاً تصف الإخوان والسلفيين بالتآمر مع الغرب على القومية العربية ونظمها وتسعى للنيل من سيادة الدول الممانعة والمقاومة لمشاريع الهيمنة في المنطقة.. وقد ظهر هذا التلون في التعاطي وهذا التبدل في المواقف مع الأيام الأولى لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا ضد معمر القذافي الذي كان يهيئ لمجزرة في بنغازي على غرار مذبحة سربينتشا لولا أن قذائف العم سام كانت له بالمرصاد. ثم اتسع الشرخ رويداً رويداً مع زحف الربيع العربي نحو دمشق عاصمة العروبة وحصن المقاومة والممانعة كما يحلو للقوميين العرب وصفها، فتحولت حركة الإخوان التي أنجبت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى حركة إنجليزية متآمرة على مقدرات الأمة من أجل الوصول إلى السلطة بالتنسيق مع كل من تركيا- أردوجان ودولة قطر.. وأصبح المطالبون بالحرية والعدالة في الشارع السوري عصابات مسلحة من الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة برعاية غربية وتركية وبدعم خليجي واضح بعد أن انضم إخوان سوريا إلى الشارع المطالب بالحرية عقب 42 سنة من القمع والتسلط واحتكار السلطة.. وبات الربيع العربي حسب مفهوم هؤلاء اتفاقية سايكس- بيكو جديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد. ويستدل القوميون على صحة أحكامهم بالانفتاح والمرونة غير المعهودة للحركات الإسلامية التي فازت في الانتخابات التي أجريت في البلدان التي تحررت من نير العبودية والاستبداد السياسي كما هو الحال في مصر وتونس، كما أن نجاح السلفيين وحصولهم على ما يقارب عشرين بالمائة من مقاعد البرلمان المصري واستعدادهم للتعاون مع المجتمع الدولي واحترام الاتفاقيات الموقعة من قبل الدولة المصرية في زمن المخلوع حسني مبارك دفع القوميين العرب للانضمام إلى الليبراليين الذين لم يغيروا مواقفهم قبل الربيع العربي وبعده في محاربة الإسلاميين.. طبعاً لكل أهدافه، إلا أن العدو بات واحداً وهو وصول الإسلاميين إلى الحكم. وهو ما يطرح إشكالية جديدة في الفكر والثقافة الحزبية في عالمنا العربي تدفعنا لنسأل: أليس من حق الإسلاميين الحصول على فرصتهم في ممارسة الحكم طالما أنهم يحظون بشعبية واسعة، وأليس من حقهم أن يطبقوا طروحاتهم ومناهجهم السياسية طالما أن صندوق الاقتراع هو الحكم؟ لقد تبين أن القوميين سقطوا على غرار ما حصل مع اليساريين والشيوعيين فهم أثاروا دعم العقيد الليبي معمر القذافي في ذبح شعبه حين تعلق الأمر بتدخل دولي لحماية المدنيين وهم انحازوا بشكل مطلق للنظام السوري الذي لا يقل إجراماً عن القذافي في حربه ضد الشعب السوري بحجة دعم النظام للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.. وهنا يتوجب علينا أن نسأل: هل الأحزاب التي تُبرر للنُظم قتل شعوبها تحت أي ذريعة يحق لها أن تكون حكماً أو يحق لها أن تنتقد الإسلاميين إذا ما تصدروا السلطة في العالم العربي.. لا أعتقد ذلك.