18 سبتمبر 2025
تسجيلرفع اللاعب الارجنتيني ميسي الكأس بيديه. وهو يضع (البشت) أو العباءة العربية على كتفيه. انها إشارة قوية، ومبادرة ذكية من سمو أمير قطر، بل هي رسالة اذكى الى العالم الغربي. ساهمت وتساهم بقوة وفعالية مدهشة لتغيير الصورة النمطية عن العرب الذين "يرعون البعران، وسط صحراء جرداء.. ويتفاخرون بكثرة النسوان". الذين يعيشون في الخارج يعانون من تلك الصورة النمطية المؤذية، التي تضع العرب في اخر خانة من السلم الاجتماعي للعالم المتحضر انها خانة "العالم الثالث" وهو مصطلح بائس، وصورة عنصرية وفوقية تصر انثروبولوجيا الآثار والحضارات والثقافات الاستعمارية الغربية، على لصقها بالعرب عن قصد معلن. تبريراً لمنهج الاحتلال والاستغلال. فمصطلح "العالم الثالث" وحسب الفهم الغربي يعني (فضلة العالم). كنا نقوم بحملات عربية في العواصم الاوروبية لتغيير هذه الصورة النمطية لكن مظاهر السلوك العربي من قبل بعض اثرياء عرب الجاهلية، والبذخ العربي في البارات والملاهي والنوادي الليلية يقف حائلا دون تحسين صورة السلوك العربي، في داخل وخارج الحدود العربية. علما ان الذين نراهم على هذه الصورة في العواصم الغربية لندن وباريس وروما وحتى في مدن الولايات المتحدة الامريكية لا يمثلون سوى نسبة متدنية من مجاميع السياحات العربية، لكنها كثيرا ما تستغل وتنشر على صفحات كبريات الصحف الأجنبية في المدن الغربية. حسنا فعلت دولة قطر؛ فقد تحدت ونجحت، واقامت دورة كأس العالم، معلنة عن تقديم صورة جديدة مشرقة عن العرب وعن دولة عربية فتية. سخرت مواردها، وطاقاتها، وراهنت على نجاح هذه الفعالية الرياضية الكبيرة. مثل هذا العرس الإنساني الكبير والانجاز الرائع المثير. كان لا يجرؤ على تنظيمه وادارته واقامته سوى الدول المؤهلة التي تمرنت وتدرجت في إقامة سباقات كأس العالم الكونية. الثابت ان افضل النتائج هي.. قطر دولة عظمى تلك المفاجأة التي جعلت عيون وقلوب المليارات من البشر تتجه نحو دوحة العرب. وهي تنظم بطولة العالم لكرة القدم بدقة وحرفية عالية. نعم انها دولة صغيرة بحجمها. لكنها ظهرت كبيرة وعظيمة في ارادتها وتحديها وانجازاتها وادارتها. المفرح في بطولة 22 انها لم تقم فقط على ارض عربية ولا وسط ملعب جميل ومدهش من ابداعات مهندسة معمارية عراقية بل انها توهجت بحالات ومشاعر عربية وطنية قومية وغرست ثقة عالية في نفوس اللاعبين من الفرق العربية. كالسعودية التي فازت على الارجنتين. وتونس التي فازت على فرنسا، اما مملكة المغرب الشقيق فكانت هي القدح المعلى بصوت عال من الايمان الرصين، ومفاجأة كبرى للعرب والناس اجمعين. بوصولها الى المربع الذهبي، فأفرحت قلوب العرب شعوبا وقبائل ودولا وممالك وامارات. وزرعت في نفوس الجميع الثقة والاطمئنان، وأضافت بُعدا أخلاقيا رياضيا جديدا وسط الملاعب، تمثل بالتلاحم بين الجمهور واللاعبين وعوائلهم. فكانت تلك المشاهد الإنسانية المؤثرة طاردة لعبارات ورسومات المثليين ومن الذين لا يحترمون ثقافة الشعوب والآخرين. أخيرا.. كانت كرة القدم محاصرة، ومحصورة لدول بعينها، وفرق لذاتها وبين اقدام اللاعبين، على ارضهم، وتحت سمائهم، وبين مشجعيهم ونواديهم. اليوم انهت دولة قطر تلك المعادلة الفجة والمتوالية الرياضية الرثة، وتلك التنافسية التراكمية الممتدة. لينطلق الرياضي العربي الى افاق جديدة غير محدودة وتلكم هي البداية الصحيحة للامة العربية التي فشلت في السياسة والاقتصاد، والحوار والواقع والخيال. لتسجل اليوم نجاحاتها في علوم الرياضة والتنظيم والإدارة وتكنولوجيا التواصل والاتصال. انها بداية الهجرة والشجون الى مدن الدوحة وغدا بغداد قرة العين ومركز الثقافة والفنون. كاتب عراقي أستاذ الاعلام والاتصال في جامعة بغداد