16 سبتمبر 2025
تسجيلنعم، الثورة السورية تمر اليوم في (منعطفٍ) تاريخي، حتى لو كان الوصف مُستَهلكاً ويدخلُ، لدى بعض النخبة السورية، في إطار (الكلام الخشبي) القديم. نعم أيضاً، لحقيقة أن (النقد) يُعتبر ممارسةً سهلةً في آخر المطاف. لا يعني هذا أنه ليس مطلوباً وضرورياً، ولا يتضارب مع إلحاحِ استمراره ووجودهِ على الدوام، لكن ثمة حداً أدنى من التوازنات فيما يتعلق بطبيعته ودوره يجب أخذُها بعين الاعتبار.فنقدُ المعارضة يكون بناءً ومثمراً ويؤدي دورهُ الأصيل حين لا يترك القارئ، والسوريين بشكلٍ عام، معلقين في أجواء التشاؤم والسلبية والهجاء والسوداوية المُطلقة، ثم ينصرفَ عنهم ولسانُ حاله يقول لهم: عملتُ ما عليَّ، و(دبروا) أنتم أنفسكم، وابحثوا عن حلٍّ لمشاكل ثورتكم..لا يمكن لثورةٍ أن تتقدم لتحقيق أهدافها و(نُخبتُها) المثقفة غارقةٌ في النقد بشكلٍ تطغى عليه الأجواء المذكورة أعلاه، خاصةً في المراحل المصيرية الحساسة كما هو عليه الحالُ الآن. لا يتضاربُ هذا، في الفكر السياسي المناضل، والمحترف، مع الإقرار بكل ما حصل في المراحل السابقة من اختلافات، وخلافات، عميقة وجذرية، بين حاملي لواء الثورة في كل مجال، شخصياً، ومصلحياً، ومبدئياً، وأيديولوجياً، وحزبياً، ومناطقياً.. ولا مع (إمكانية) استمرارها في المستقبل.نعم أيضاً وأيضاً، ما حصلَ يتضمنُ ظواهرَ، مذهلة وغرائبية أحياناً، تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل لمعرفة جذورها الثقافية. وهذا أمرٌ لا مانع أن يقوم به (المختصون) الآن، وأن يستمر في المستقبل.ولا مشاحة في الاعتراف بأن المعارضة السورية، بجميع أطيافها ومكوناتها، لم تكن مستعدةً لأداء مهمةٍ بحجم المهمة التي باتت، فجأةً، مسؤولةً عن أدائها. فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت تعمل فيها على مدى العقود الماضية. وثمة فارقٌ كبير بين القيام بدور (المعارض) على الطريقة التي كانت سائدةً في سوريا ما قبل الثورة، وبين دور القيادة لثورةٍ فرضت نفسها كواحدةٍ من أعظم ثورات التاريخ. ولا نبالغ إذا قلنا إن الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار التي يُطلب أداؤها على مستوى العمل العام.لكن (كل) ما حصل، لا يمثل (لعنةً) تاريخيةً نهائيةً أصابت سوريا وشعبها وثورتها، كأنها قدرٌ لا فكاك من آثاره التدميرية، بالطريقة التي يفكر بها سوريون كُثُر.. وبالطريقة التي يوحي بها بعض نقدٍ يصدر عن مثقفين متميزين..وما حصلَ لا يجب أن يكون، أبداً، مدعاةً لـ(الاستقالة) من الثورة، وما أسهل أن يجد السوري اليوم سبباً للاستقالة من ثورة بلاده. ولا ينبغي أن يدفع للتركيز، ولو بدون قصد، على إشاعة مثل تلك الأجواء، فهذه طريقةٌ في التفكير ليست، فقط، مدخلاً لليأس والإحباط والسلبية في أعلى درجاتها، وإنما هي أيضاً، مع الاعتذار، نوعٌ من التفكير الطفولي الذي لا يليق بشعبٍ بدأ ثورةً من أعظم ثورات التاريخ. هكذا كانت وهكذا ستبقى.. والتاريخُ نفسه سيكون الحَكَم.نحن، في سوريا، نعيش (نصيبنا) من قصة البشرية على هذه الأرض، بكل ما فيها من صراعٍ وتضحيات وآلام عاشت المجتمعات مثلها، وستعيش، في يومٍ من الأيام، هذا كل ما في الأمر.ومفرق الطريق يكمن في قدرة السوريين اليوم على توظيف الظروف الراهنة لاستعادة شيءٍ من زمام المبادرة، تماماً كما فعلت شعوب كثيرة.بكلامٍ أوضح، مهما كانت ملاحظات البعض على واقع المعارضة وممارساتها قبل وأثناء وبعد مؤتمر الرياض، نحن اليوم، كسوريين، أمام مرحلةٍ جديدة فيها من المخاطر والمزالق مثلما كان عليه الحالُ على مدى خمس سنوات. لكن فيها، بالمقابل، كموناً لم يكن موجوداً قبل ذلك. وإذا كنا نعتقد أن أداء المعارضة لن يكون أفضل، فهذا أدعى لأن يساهم الجميع بشكلٍ إيجابي في تحسين ذلك الأداء.هل يبدو فعلاً أن البعض / الكثيرين تعلموا من دروس التجربة السابقة؟ لا ندري على وجه الدقة، فهذه ليست غاية المنى، والكلام لا يحمل دعوةً للأحلام والتوهم بأن ما يجري هو عينُ الكمال.لكن ما يجري حتى الآن جيد، إذا كنا واقعيين، وحاولنا أن نفهم منطق التاريخ وآليات التطور الثقافي لدى الشعوب. وعلى جميع السوريين أن يلتقطوا خيط الأمل هذا، وينسجوا منه، تدريجياً، ثوب النجاح.ما حصل، بتفاصيله المعروفة، من اجتماع أكبر حجمٍ ممكن لممثلي المعارضة السياسية والعسكرية، يمثل خطوةً على الطريق الصحيح، أخيراً. وعلى السوريين ألا يزهدوا في دلالاتها وكُمُونها، مهما كانت ملاحظاتهم مشروعةً على المعارضة، ومهما كان عَتبُهم كبيراً عليها.آن للسوريين ألا يُحاصروا أنفسهم، وشعبهم، وثورتهم، ووَطنَهم، في مقولات تقليدية مختلفة مؤداها في النهاية أن "كل هذا عبث، وكلام فاضٍ، ولن ينتج عنه شيء".لم يكن المجلس الوطني ولا الائتلاف، في نهاية المطاف، مُلكاً للأعضاء، ولا (الهيئة العليا للتفاوض) ملكٌ لفلان أو علان اليوم. وإنما هي جميعاً مُلكٌ لسوريا وثورتها ونُشطائها وأهلها. وإذا كان هذا الكلام، في نظر البعض مثالياً وطوباوياً، فإن هذا لا يغير الحقيقة المذكورة، وإنما يُعبر عن (رجعيةٍ) تعود بنا للوقوع في فخ ثقافة السلبية واليأس التي يُفترض أن الثورة قامت عليها، قبلَ أي شيءٍ آخر.