16 سبتمبر 2025
تسجيلنيوزويك : العلماء النوويين الإيرانيين على لائحة اغتيالات "الموساد" قبل أن يدخل الوفد الإيراني إلى مفاوضات جنيف مع ممثلي دول مجموعة الـ"5+1" كانت إيران أدركت أن "الحرب الباردة" عليها بدأت عملياً، وأنها لا تنفك تسخن، فعدا العقوبات الاقتصادية والمالية والعسكرية التي أصبحت في صيغتها الفعلية بالغة التشدد والاتساع، كانت إيران تعرضت لهجوم إلكتروني –فيروسي غير مسبوق ضرب أجهزة الطرد المركزي، كما أن اثنين من علمائها النوويين كانا هدفا لعمليتي اغتيال متزامنتين وبطريقة واحدة فقتل أحدهما وأصيب الآخر، ما يدل على انكشاف وجوه العاملين في البرنامج النووي وكذلك انكشاف المنظومة الأمنية لحمايتهم. في الحالين تأكدت طهران من أن اختراقا خطيرا قد حصل في منطقتها المحرمة، فمن جهة أصبح للحرب الاستخباراتية فريق عمل موجود على الأرض، ومن جهة أخرى شكل وصول دودة "ستاكسنت" الفيروسية إلى قلب المفاعل النووي بداية حرب من نوع جديد جدا قد تكون الأجهزة الأمنية الإيرانية توقعته إلا أنها ربما ظنت انها محصنة ضده، وقد استطاع هذا الهجوم السيبرناتي، وفقاً للرئيس محمود أحمدي نجاد، أن يعطل "عدداً محدوداً" من أجهزة الطرد، وتتكهن المصادر الغربية بأن هذا العدد المحدود لا يقل عن ألف جهاز من أصل خمسة آلاف كانت على وشك الدخول في دورة تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى. وفي الحالين أيضا ذهب الاشتباه الأول في اتجاه إسرائيل، التي ألحت دائماً على الدول الغربية، وبالأخص على الولايات المتحدة، لتغطية شن ضربات عسكرية لتدمير مختلف المحطات النووية المعروفة على الأراضي الإيرانية، لكنها جوبهت دائما بالرفض، بل وجهت إليها تحذيرات من الإقدام على عمل عسكري أحادي الجانب، فالدول الكبرى تواصل البحث عن حل دبلوماسي للأزمة النووية، لكن الأولوية المعطاة للمفاوضات مع إيران لم تمنع الرئيسين الأمريكيين، جورج دبليو بوش ثم باراك أوباما، من توقيع أوامر لتنشيط العمل السري بمختلف أشكاله داخل إيران. في أي حال أظهر استهداف العلماء النوويين الإيرانيين أن جهاز "الموساد" الإسرائيلي بات ناشطاً، بل يبدو أنه وضع لائحة اغتيالات حتى ان تحقيقا لمجلة "نيوزويك" سمى محسن فخري زاده على أنه الهدف التالي بعد مجيد شهرياري الذي قتل وفريدون عباس الذي أصيب في تفجيري الاثنين 29 نوفمبر الماضي، ويعتقد خبراء عرب ان الاختراق الحاصل نتيجة تعاون استخباراتي أمريكي-إسرائيلي، باعتبار أن استنزاف البرنامج النووي الإيراني في العنصر البشري من شأنه أن يتسبب بخسائر ثمينة ومباشرة لابد أن تنعكس على البرنامج نفسه، لكن خلافا للإسرائيليين يفضل الأمريكيون ألا يظهروا في الصورة بل يحرصوا على عدم الحديث رسمياً عن تفاصيل الحرب الدائرة، أولاً لكي يحافظوا على قدرتهم على التحرك دبلوماسياً، وثانيا لكي يمتحنوا القدرات الاستخبارية الإيرانية، والواقع أن طهران اكتفت بالإشارة إلى "الصهاينة" وحملتهم مسؤولية استهداف العلماء وبدورها ردت إسرائيل محملة إيران مسبقا مسؤولية أي عمل أمني يرمي إلى الانتقام. منتصف أكتوبر بدأت دوائر غربية عدة تتداول تقييما مفاده أن فيروسا ضرب حواسيب مفاعل بوشهر وتوصل إلى تأخير تشغيله، وكان الوصف الذي اعطته لما حصل بأنه بمثابة "كارثة" للبرنامج النووي الإيراني، ثم إن التقديرات الأولية أشارت إلى عمل هائل يتطلبه إنتاج هذا الفيروس، أو بالأحرى "الدودة الفيروسية"، ما يعني أن الدول وحدها تستطيع القيام به، خصوصا انه مكلف جدا، أي أنه يتطلب ملايين الدولارات، وبعد ذلك جرى ترويج متعمد للرموز المشفرة في هذا الفيروس ليتبين أنها تتضمن كلمة "ميرتوس" (شجرة الآس) التي تعنى بالعبرية "هداسا"، وهو اسم الميلاد لملكة فارس اليهودية ايستر التي يروى انها أجهضت هجوما على يهود فارس ثم حضت زوجها على شن "هجوم استباقي" ضد الفرس لحماية اليهود. وفي ذلك إسقاط مكشوف على التهديد الإسرائيلي بـ"هجوم استباقي" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ومن الواضح أن اسرائيل هي التي وزعت المعلومات عن إنجازها الفيروسي بل انها لم تمانع إعلان بعض وسائل الإعلام أن الوحدة 8200 وهي شعبة استخبارات في الجيش تولت تسريب الفيروس إلى محطة بوشهر، ولهذه "الدودة الفيروسية" -كما وصفت- قدرة على التوالد كما يمكنها أن تدمر نفسها بنفسها، ولم يتحدد بعد مدى النجاح الذي حققه الإيرانيون في التخلص منها نهائيا. يعتقد المحللون الغربيون ان هذه العوامل الثلاثة، العقوبات والاغتيالات والهجوم الفيروسي، ساهمت في إقبال الإيرانيين على مفاوضات جنيف بذهنية مختلفة هذه المرة، ولا شك أن الأهم هو العقوبات، إذ باتت تستشعر في مختلف تحركات ايران واتصالاتها الخارجية، وباتت تعني خسائر في الموارد الحالية وتضييقا على القطاعات كافة، وإذا كانت تستطيع مواجهة الاغتيالات إلا أنها وجدت نفسها أمام تحدي الحرب الفيروسية وأصبحت مدعوة لاستباق مثل هذه الهجمات، وإلا فإنها ستؤدي إلى تأخير مهم في البرنامج النووي خصوصا انها ستجد صعوبة في تعويض أجهزة الطرد المعطلة لأن العقوبات تضع حواجز أمامها. كل ما قيل عن المفاوضات حتى الآن أنها "جدية" وبالتالي واعدة، لكن الجولة الثانية في اسطنبول ستبين أكثر أي وجهة سيتخذها هذا التفاوض، ولعلها ستكون فرصة لقياس مدى تأثير التغيير الدبلوماسي بعد إطاحة منوشهر متكي على الخيارات التفاوضية، فالبعض يرى فيه مؤشراً إلى تصلب، والبعض الآخر يرى على العكس ان إيران تريد اتفاقاً وأن نجاد يريد أن يسجل أي إنجاز باسمه تدعيماً للفريق الذي بات يمثله داخل النظام.