15 سبتمبر 2025
تسجيلإن العلم والتعليم واستخدام النظر في ملكوت الله تعالى من أهم فرائض الإسلام، التي لا يمكن لأي مدنية أو حضارة أن تقوم بدونهما، وكلما تعلم الإنسان أمور دينه ودنياه فَهِم واقعه جيداً وسهل عليه القيام بواجباته نحوه في ضوء شريعته، يقول الحق تعالى في استفهام إنكاري يفيد النفي عن عدم تساوي الذين يعلمون مع الذين لا يعلمون: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، "الزمر: 9"، والخطاب هنا للرجل والمرأة على السواء، وفي آية أخرى يقول تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، "المجادلة: 11". فهل يجرؤ أحد بعد تفهم هاتين الآيتين، والوعي بهما، على منع إماء الله من الحصول على العلم، حسب الاستطاعة والانتفاع والعمل به؟ إن الهدف الأساس من العلم في الإسلام، عند الرجل والمرأة على السواء، هو تكوين وتربية الشخصية المسلمة المتزنة، روحيا وجسديا، التي تستطيع أن تقوم بمسؤوليتها بكفاءة وإحسان، وتسعى إلى التغيير وبناء مجتمع يقوم على تقوى الله وتحقيق خلافته في الأرض وتوحيده وإقامة حضارة ربانية شعارها أول آية نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) أي حضارة تربط بين العلم والإيمان. وقد أخذت أم المؤمنين عائشة على عاتقها –في العهد النبوي-مسؤولية العلم والتعليم، وقدمت في كل العصور نموذجاً حياً للمرأة المؤمنة المتعلمة العالمة، التي يشهد على علمها طائفة كبيرة من الصحابة رضوان الله عليهم، الذين تلقوا العلم عنها، بل أن أبا موسى الأشعري يشهد أنها اعلم الصحابة حين يقول: (ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما). كما أن كل النساء الصحابيات كن يأتين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتعلم أمور دينهن من أعلى مصادره، مباشرة دون اللجوء إلى واسطة الزوج أو الأب بحجة القرار في البيت لأنهن وعين جيدا الخطاب الأول الذي نزل من عند رب العزة (اقرأ) وعلمن أن التفقه في الدين ثمرة طبيعية للقراءة والعلم الذي ينتفع به، وأن تكوين شخصية الإنسان المؤمن الصالح يحتاج إلى العلم المقترن بالإيمان لاستنباط طاقاته الإبداعية وتفجيرها في ميدانها الصحيح، بل ان النساء في العهد النبوي كما رأين أنهن لا يجلسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقدر الكافي الذي يتعلمن فيه ما يردن من أمور دينهن ودنياهن قالت له إحداهن: (يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك)، فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خاصا يعظهن فيه، ويتعلمن منه مباشرة، وبدون واسطة أي رجل مهما بلغت قرابته منهن. والمرأة المسلمة اليوم مطالبة بالعلم والتعليم، ليس استجابة لبعض الدعوات التحررية التي تنحت عن الطريق القويم وطالبت بتعليم المرأة لغات لا مجال لذكرها، وإنما استجابة لعقيدتها وامتثالا لأوامر ربها، كي تخرج من تخلفها، وتستقيم شخصيتها، وتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها كيفما كانت، وإذا استقامت شخصيتها بالعلم تحرر فكرها وعقلها من الخرافة والجمود والتخلف؛ وتقوَّت عقيدة التوحيد في نفسها لما تعلمت من الحق: (أفمن يعلم إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب)، "الرعد: 19". واستطاعت أن تواجه مختلف المشكلات بروح إيمانية عالية مكتسبة من علمها ومعرفتها الجيدة بشريعتها ودينها، كما تستطيع تحدي كل أنواع الزيف والانحراف والظلم.