16 سبتمبر 2025

تسجيل

مهارات التعامل مع الألم الجسدي

20 نوفمبر 2015

الإيجابية مصطلح اشتغل عليه الكثير من الباحثين واعتبره غالبيتهم الأسلوب النفسي الأمثل لتبديد مشاعر الألم واستبدال مواقف أخرى بها، يعيشها المريض، ويحقق بها بعضا من الامتيازات المهنية والاجتماعية والشخصية التي فقدها بسبب إصابته بأحد الأمراض الجسدية التي تصنف طبيا أو علميا بأنها مزمنة أو حادة ومن خلال الملاحظات العيادية اتضح أن الاعتماد على تحفيز المشاعر الإيجابية فقط كأسلوب علاجي مساند لم يحقق النتائج المتوقعة منه، بل إنه أتى بنتائج عكسية مع البعض حيث تعمقت لديهم مشاعر الإحباط والشعور بالخوف. ولعل هذا ما يقودنا للتساؤل كيف يمكن أن تساند إنسانا فقد الكثير من أساسيات حياته، بل واضطر مجبورا لتغيير مسار حياته بما يتناسب مع طبيعة حالته المرضية المستجدة عليه هل التطمين يثير القلق ويحفز الحزن ؟ إن المرض _ مهما اشتدت أعراضه _ مرحلة يعيشها الفرد تختلف نسبيا عن حالة الصحة فى التبعات التي تجبر المريض على انتقاء أسلوب يخدم هذا المرض لينتفع بذلك المريض.. لقد اعتاد الكثيرون على استقبال الألم بالكثير من الرفض والحزن والتذمر والانعزال، والقليل من الرضا والقبول والقدرة على المواجهة.. إنه الاستعداد الاستعداد الذي يتجاهل الكثيرون أهميته في صقل الإنسان نفسيا وروحيا وجسديا للصمود مهما كان حجم العقبات، إن الاستعداد لا يعني فقط القوة في مواجهة المرض، ولكنه كذلك يعني تقبل الضعف ولحظات الانكسار في أوقات ربما يشعر بها الفرد كلحظات تنفيس استثنائية يخفف بها أحيانا من حدة مصابه، وعند التدخل سواء كان مقننا علميا أو اجتهادا شخصيا، فإن حالة من المقاومة الداخلية تنشأ في ذات الفرد ليرفض بسببها رسائل التطمين والتفاؤل التي تتعارض واقعيا مع حجم ومستوى الألم الذي صار مهيمنا على اُسلوب حياته، وعلى اختلاف الثقافات والمجتمعات ينظر الغالبية للحزن على أنه مرادف للضعف، على الرغم من أنه يعد انفعالا طبيعيا يتزامن مع بعض المواقف التي تتصادم فيها حاجات وأمنيات وتوقعات الفرد مع واقع مفاجئ يدفع الفرد لإعادة برمجة حياته بما يتماشى مع عارض غير متوقع وغير محبب، ويتأصل هذا الحزن عند البعض ليصبح حالة مزاجية دائمة تقاوم تقبل الحدث، وبالتالي تجعل الإنسان في دائرة من الخوف والتوتر مما يضعف قدرة الفرد على إدراك الجوانب الصحية الأخرى في حياته ويرى نفسه مجرد أسير لأعراض مرضية يصعب عليه التنصل منها. وتعتبر حالة المقاومة هذه بمثابة قوى تهاجم أي رسالة تحمل معاني تطمينية أو تهدئة، حيث غالبا ما يدركها الشخص على أنها تحايل غير مباشر على ماهية مرضه العضوي الذي فاق ألمه تقبل كلمات التطمين الاعتيادية. إن محاولة إشغال المريض عن حقيقة معاناته الواقعية تدفعه لخوف أكثر يتولد في حسه من خلال حزنه على ذاته وقلقه على مآل حالته الصحية ومساندة الفرد على مواجهة واقعه الجديد هو احترام ضمني وتفهم موضوعي لإبعاد حالته الصحية، وهذا لا يعني أن يتحرك المريض بدافع المرض ولكن بدافع التعايش معه من خلال تهيئته معرفيا وجسديا لمواجهة الواقع المستجد عليه. إن إلمام الشخص بوضعه الصحيح يصحح من نظرته للمرض وبالتالي يجعله أكثر دقة وإنصافا في تقبل التغيير الذي فرض عليه، وبالتالي أكثر نضجا في التعامل مع الإمكانيات المتاحة له للعبور بذاته فكرا وجسدا لأعلى درجات التكيف، ليتحول المرض من عدو غاشم مهاجم إلى واقع يستوجب استعدادا جيدا على جميع المستويات، والحقيقة التي قد تغيب عن الشخص تحت تأثير أعراضه المرضية أن الإنسان لا يفقد كل مهامه لكنه قد يفقد بعضها لتظهر مهام أخرى يجهلها وقد يفقدها إن استسلم واسترسل في الحسرة على ذاته ولوم القدر.