15 سبتمبر 2025
تسجيل"الجمعة" الماضية 14 / 11 مرت ذكرى غالية وعالية كان جديرا إحياؤها بطريقة واهتمام خاصين.. ولكننا لم نر مجرد الاهتمام بها، ما يعبر عن توهان شمولي تعيشه وسائل إعلامنا في الجملة.. هي "ذكرى معركة حجارة السجيل" التي أطلق شرارتها العدو الصهيوني باغتيال القائد الفلسطيني "الجعبري" ووقعت بها تحولات كبيرة أثرت في أحداث مهمة مرت بها منطقتنا وقضيتنا من بعد.. وفي ذكرى هذه المناسبة أقول: * لقد سجلت المقاومة في هذه المعركة انتصارا باهرا بقصفها تل أبيب والمستوطنات، وبانتقالها من الاكتفاء بالرد والدفاع والمشاغلة فيما مضى إلى الانتصار والمبادرة وإلى إيلام الحاضنة الشعبية للعدو وإلى تجريح كبريائه كدولة.. أكدت ذلك سرعة لجوء العدو إلى استصراخ أمريكا ومصر والعالم لإيقاف النار، ثم قبوله بشروط المقاومة التي كانت كلها لصالح المقاومة، بلا مراء ولا جدال. * لقد أكدت حماس في هذه المعركة أنها تملك ترسانة أسلحة وصواريخ ونوعية فريدة من الجنود المجاهدين، وأنها كانت تستثمر كل دقيقة في الإعداد والاستعداد، وأنها تعرف طبيعة هذا العدو المجرم الغادر الذي انخدع به كثيرون على الساحة الفلسطينية والعربية.. كما أكدت أنها لم تكن تضيع الوقت في حزازات ومناكفات الصراع الداخلي، كالذي يقع باستمرار بين الفصائل وبالأخص جناحي عباس ودحلان في فتح.* لقد غيرت المقاومة نظرة العدو للدم الفلسطيني واستهانته بسفكه كلما سنحت له الفرصة.. ذلك أن حماس عندما ثأرت لقتل أحد قادتها (الجعبري) بقصف تل أبيب قد أغلت دماءها ودماء شعبها، وجعلت العدو يفكر ألف مرة قبل أن يستهدف أحدا منهم.. ناتج ذلك ما رأينا عندما تخرج قيادات حماس والمقاومة الوازنة في ذات اليوم والساعة التي تبدأ فيها التهدئة ليسيروا في الشوارع ويتنقلوا بين بيوت الشهداء للتعزية ويقيموا احتفالاتهم، آمنين مطمئنين. * هذه المعركة حررت انتصارات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني من النسبة لغير فضل الله تعالى أولا ولغير الأسباب الذاتية مستقلة عن التحالفات وأكدت أن الشعب الفلسطيني يستطيع أن ينتصر بذاته لو اتخذ للمواجهة أسبابها وتوكلاتها اللازمة حتى لو تخلت عنه إيران وسوريا.. ما يعني أننا لا يجوز أن نبقى رهنا لإرادات الآخرين أو لعملية تسوية فاشلة أو لقرارات جامعة عربية أو إسلامية.* لقد سجلت هذه المعركة تلاحما أبديا بين الثورتين والشعبين المصري والفلسطيني كشقيقين، وصار كل منهما رديفا وعمقا للآخر بعد محاولات أكثر من أربعين سنة من القطيعة وتخريب العلاقة من جانب النظم المصرية المتوالية والمتهرئة قبل ثورة 25 يناير المجيدة.. فالمعركة ربطت بين حرية وقوة وانتصار الشعب المصري وحرية وقوة وانتصار الشعب الفلسطيني.. وذلك أن الرئيس الثائر والمنتخب - مرسي – جسد النصر الفلسطيني بقدر ما كان يجسد الثورة والديمقراطية والنصر المصري، وهو أيضا كان ضحية وقوفه مع فلسطين بقدر ما كان ضحية وقوفه مع مصر، في مقابل أن الانقلابيين والفلول والصهاينة الذين هم أعداء مرسي وأعداء الثورة المصرية هم ذاتهم أعداء الشعب الفلسطيني.. ذلك بلا شك يجسد وحدة الشعبين والثورتين والانتصارين بقدر ما أن نقيضه يجسد العدوان على الشعبين والثورتين والانتصارين.* لقد سجلت معركة - حجارة السجيل - للرئيس الأسير مرسي وللزعماء والشعوب التي ناصرت المقاومة معه (قطر وتركيا خصوصا) أنهم الجادون في زمن اللهو وأنهم الرجال في زمن الاهتزاز والإرجاف والتخويف بقدر ما سجلت العار والبؤس على الذين بلعوا ألسنتهم أو خانوا الأمانة أو رضوا أن يكونوا مع الخوالف أو شمتوا بالمقاومة.. ذلك أثبت تأكيدا أن أمتنا بخير وأنها بأقل القليل من التنسيق والإصرار تستطيع أن تنتصر. * لقد أكدت هذه المعركة، من خلال تسبب العدو فيها، أنه - العدو - يفتقد الرشد السياسي والفكر الإستراتيجي، فبمجرد أن لاح للعدو هدف أمني (الجعبري) وتأكد أنه يستطيع وصوله قام بذلك متورطا في معركة لا يملك إيقافها ولا التحكم في وتائرها ولا رفض شروط تهدئتها.. عدم الرشد السياسي هذا ملازم للتاريخ اليهودي منذ الشتات الأول لبني إسرائيل قبل ثلاثة آلاف عام يوم تحرش جيشهم الصغير بأطراف إمبراطورية "نبوخذ نصر البابلي" ولم يقدروا ما يمكن أن يفعل بهم، فانتهى أمرهم بهذا الخطأ الإستراتيجي للشتات والزوال.. ثم تكرر ذاته في الشتات الثاني قبل ألف وأربعمائة سنة، إذ نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرة بعد مرة، وانتهى وجودهم الاجتماعي والفيزيائي في الجزيرة العربية.. وها هم اليوم ولذات اللعنة يرفضون التسوية ويستفزون الأمة كلها بالتعديات التي لا تنتهي.* آخر القول: إن معركة "حجارة السجيل" كانت بالفعل لعنة على العدو ووصمة عار على الإرهاب الصهيوني بقدر ما رفعت قيمة الدم الفلسطيني وأعلت من قيمة ثورته وبقدر ما عبرت عن انتصار ربط أحداث المنطقة ببعضها.. فكانت تستحق أن يُهتم بها..