15 سبتمبر 2025
تسجيلشهدت الضاحية الشرقية للعاصمة طرابلس الغرب يوم الجمعة 15 والسبت 16 نوفمبر الجاري أعنف موجة من المواجهات المسلحة، حين حاول مسلحون من سكان العاصمة منع عناصر تابعين لميليشيا مصراتة من دخول المدينة للانتقام لرفاق لهم قُتلوا خلال القمع العنيف الذي مارسته تلك الميليشيا بحق التظاهرة السلمية لأهالي طرابلس التي طالبت بإنهاء مظاهر التسلح في العاصمة. فأطلقت عناصر ميليشياوية من مصراتة تتخذ من حي غرغور جنوب طرابلس مقراَ لها، النار على المتظاهرين السلميين الذين قدموا للمطالبة برحيل الميليشيا عن مدينتهم، لتندلع مواجهات بين الطرفين خلفت 43 قتيلا على الاقل و461 جريحا، بحسب وزارة الصحة الليبية. . وأثارت هذه المواجهات المسلحة مخاوف لدى سكان طرابلس من اندلاع حرب أهلية في بلاد توجد فيها ميليشيات عدة على أساس مناطقي مثل مجموعة مصراتة أو على أساس أيديولوجي مثل جماعة "أنصار الشريعة". وهذا ما جعل المجلس المحلي لطرابلس (بلدية) يعلن مساء السبت إضرابا عاما لثلاثة أيام في العاصمة الليبية "حدادا" . ليبيا تنزلق بشكل متسارع نحو المزيد من الفوضى والانفلات الأمني في ظل سيطرة الميليشيات المسلحة على المشهد السياسي والعسكري فيها والذي ظهر أخيراً في عمليات الاغتيالات السياسية التي طالت ضباطاً في الجيش وأجهزة المخابرات، واختطاف رئيس الوزراء علي زيدان . توهم الليبيون ومعهم العرب أن الشعب الليبي أنجز ثورة حقيقية عندما أسقط نظام العقيد القذافي ، وجدت نفسها أن طريق الحرية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التي وعد بها المجلس الوطني الانتقالي هي بعيدة المنال في ظل عملية استبدال سلطة الديكتاتور الراحل بسلطة الميليشيات المسلحة. رغم إجراء أول انتخابات ديمقراطية في العهد الجديد، فإن الحكومة الليبية الجديدة تبدو عاجزة عن بناء الدولة الجديدة، وهي تصطدم بسلطة الميليشيات المسلحة القبلية والدينية، التي تتناقض استراتيجياتها مع بناء الدولة المدنية، وترفض رفضاً قاطعاً بناء أجهزة الدولة الجديدة من جيش وطني، وأجهزة أمن، وشرطة، باعتبارها أجهزة الدولة الجديدة التي يجب أن تحتكر لوحدها حق استخدام السلاح. وما انفكت التقارير العربية والدولية تتحدث عن العنف الميليشياوي الذي يمارس ضد المجتمع الليبي برمته، وضد أنصار العقيد القذافي، إلى درجة أن ليبيا تحولت من الناحية العملية إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، يصدر الإرهابيين إلى باقي الدول العربية، ودول الساحل الإفريقي، الأمر الذي يزيد من حرج الحكومة الليبية المنتخبة . لا شك أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، بعد أن ورثت مؤسسات دولة ضعيفة وفي ظل غياب الأحزاب السياسية،و منظمات المجتمع المدني، وفشل المجلس الوطني الانتقالي، والحكومة الليبية الحالية في كبح جماح الميليشيات المنتشرة في كامل التراب الليبي، والتي تمارس عمليات النهب المنظمة لثروة الشعب الليبي من نفط وغيره، وهذا ما يجعل الشعب الليبي يعيش مع تركة قاسية جداً. وتُعدّ الميليشيات الخارجة عن القانون التحدي الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي . وتريد الميليشيات المسلحة أن تمارس شريعة الغاب في ليبيا، لاسيَّما إزاء 8 آلاف معتقل من أنصار العقيد القذافي، معلن عنهم يتوزعون في 60 مركز اعتقال في أنحاء البلاد. وترفض هذه الميليشيات تطبيق القانون على هؤلاء المعتقلين ويتخوف المجتمع التونسي، ومعه المجتمعات المغاربية، وكذلك المجتمع الدولي من الوضع الأمني الداخلي في ليبيا الذي تهيمن فيه الميليشيات القبلية والإسلامية، بل يذهب خوفه الأكبر إلى الأسلحة والمتفجرات المنتشرة على الأراضي الليبية والتي يتم تهريبها إلى تونس، والجزائر، عبر دول الجوار من تشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها. والمشكلة الحالية التي بات تقلق الشعب التونسي، تكمن في إمكانية وصول الأسلحة المهرّبة من ليبيا إلى مجموعات إرهابية مثل تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي، والمرتبط عضويا بتنظيم "القاعدة والمغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" النيجيرية، وغيرها من التنظيمات الإجرامية". وكان من تبعات كشف وزارة الداخلية التونسية هوية من قام باغتيال الشهيد محمد البراهمي وقبله الشهيد شكري بلعيد أن تم اعتبار "أنصار الشريعة" تنظيم إرهابي، ما يتيح اعتقال عناصره وسجنهم. لكن "أنصار الشريعة" بدا عند تاريخ حظره وكأنه قد استبق أي إجراءات ضده يمكن أن تتخذها الحكومة الحالية الفاشلة في محاربة الإرهاب، وانتقل إلى العمل السري. وعلى رغم أن هذا العمل كان يتم عبر خلايا تنشط داخل تونس نفسها، إلا أن جزءاً منه كان لا بد أن يتم خارج تونس وتحديداً في ليبيا، حيث يقيم زعيمه أبوعياض في حماية تنظيم "أنصار الشريعة "الليبي. فقد أتاحت الفوضى التي عمّت هذا البلد بعد سقوط القذافي لأي جماعة أن تنشط كما تريد من دون أن يكون هناك من يردعها. وكان الإسلاميون المتشددون بالطبع من بين الذين استفادوا من سقوط القذافي، فأنشأوا معسكرات تدريب في عدد من المناطق لإنشاء جيل جديد من الإرهابيين المحترفين. وكان فرع القاعدة المغاربي هو المستفيد الأول من هؤلاء "الجهاديين" الذين يتخرجون من المعسكرات الليبية ويلتحقون بصفوفه، للقيام بعمليات غرهابية في داخل تونس، والجزائر ومالي، وغيرها من البلدان العربية والإفريقية. في عهد الميليشيات المسلحة تحولت ليبيا إلى بؤرة للإرهاب تهدد شمال إفريقيا كله، من تونس إلى المغرب مرورا بالجزائر وموريتانيا، ويتحمل الغرب المسؤولية التاريخية عن واقع ليبيا الحالي. إن ليبيا في ظل الحكومة العاجزة، التي لا تحكم حتى في العاصمة طرابلس، أصبحت برميل البارود الذي يهدد بالانفجار في أي وقت، لأن الميليشيات المسلحة ترفض الانصياع لمنطق الدولة، وتريد إعادة تقسيم السلطة بين الميليشيات المسلحة، الأمر الذي يجعل ليبيا مهددة بالتقسيم إلى دولتين أو ثلاث دول، لاسيَّما أن بعض القبائل بدأت ترسم حدود هذه الدويلات.