30 أكتوبر 2025

تسجيل

سلاب الكوجيتو السوداني

20 نوفمبر 2011

انفصال الجنوب أدخل السودان في أتون دوامة حمم يستعر لهيبها المتلوي تلاشت الآمال العراض حول تكوين حكومة قومية تأخذ على عاتقها إيجاد حلول ناجعة لمشكلات وأزمات السودان المتفاقمة.. فما لم تحدث مفاجآت باعثة للدهشة فإن الحكومة المرتقبة سوف تكون ذات قاعدة عريضة نسبياً ومع تشكيلها تضمحل التوقعات في إيجاد أجواء ومناخات دافعة للاستقرار الذي افتقدته البلاد منذ أمد طويل. ظن كثير من المتابعين للشأن السوداني أن انفصال الجنوب الذي تحقق منذ ما يزيد على الأشهر الخمسة سوف يحقق للحكومة السودانية التي تخلف الحكومة "الحالية" بيئة خصيبة تتيح للفاعلين السودانيين التفرغ لمشروعات البناء والتنمية وجمع الصف الوطني لمواجهة تحديات ما بعد الانفصال وما أكثرها. انفصال الجنوب الذي كان يمثل شراً لابد منه: الانفصال مقابل السلام الشامل، أدخل البلاد في أتون دوامة حمم يستعر لهيبها المتلوي في أطراف البلاد الجنوبية والغربية وربما الشرقية, فسرعان ما اندلعت النزاعات والحروب في ولايتي جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق بتدبير منظم من الحركة الشعبية التي لم يكن هدفها الأساسي تحقيق الانفصال بل تعداه إلى المضي في مخططاتهم الدفينة لإشعال الفوضى والفتن في الهوامش لتشكيل "السودان الجديد". وكان آخر سلسلة حلقات التآمر التي حبكتها الحركة الشعبية هو دعم التحالف المسلح المسمى "الجبهة الثورية السودانية" التي ضمت أربع حركات دارفورية مسلحة هدفها الأعلى ليس فقط إسقاط نظام الرئيس البشير بل السعي الآثم لإحراز مزيد من الانقسام والتقسيم للبلاد، والعباد.. لقد أدى انفصال جنوب السودان الذي أصبح دولة مستقلة إلى تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة الأغوار.. ففي المجال الاقتصادي فقد السودان عائدات البترول مما أدى ضمن عوامل أخرى، إلى دخول البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة زعزعت وفاقمت أسعار السلع الأساسية والضرورية لحياة المواطن السوداني وخاصة لذوي الدخل المحدود أصلاً. أما في المجال السياسي فقد وجدت أحزاب المعارضة نفسها أمام بيئة صالحة لمناطحة النظام والتلكؤ في المشاركة في الحكومة التي كان من المفترض أن يتم تشكيلها في الأيام الماضية. وإزاء هذه الخلفية فقد وجدت الحكومة السودانية وخاصة حزب المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – نفسها مجبرة ومكرهة على تشكيل حكومة في ظل استنكاف حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، أو الفرع، وحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الشيوعي عن المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة. الذي يدعو للعجب أن حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي قد تحالف مع الحزب الشيوعي لتحقيق غايات وأهداف معروفة. وكان من المفترض أن يسعى حزب المؤتمر الوطني بكل السبل لتشكيل حكومة قومية تقي البلاد من الشر القادم، وأن يبدي التنازلات المرنة من أجل تحقيق هذه الغاية عوضاً عن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة – غير عريضة – تضم مثلما حدث في الماضي أحزاب التوالي الضامرة والضعيفة والضالة! وعلى غرار الكوجيتو الديكارتي الذي مؤداه" "أنا أفكر فأنا إذن موجود"، فإن المؤتمر الوطني ظل ممسكاً بالأسنة والأعنة ومتمسكاً بسرب الكوجيتو الجديد. أنا اتكتك وأحلم بالحكم مدى الحياة فأنا أحكم منفرداً.