12 سبتمبر 2025

تسجيل

تساؤلات حول مفهوم الزكاة في ظل النظام الاقتصادي الحديث

20 أكتوبر 2020

أكتب هذا المقال وعلى ما أعتقد وفي حدود معرفتي أنه لم يكتب في هذه النقطة من قبل، هدف هذا المقال هو الحديث عن النظام المالي العالمي منذ السبعينيات تقريباً وعلاقته بمفهوم إخراج الزكاة، وهل نحن الآن نخرج «الزكاة» من مال حقيقي، أم يتم الإخراج من أرقام هي عبارة عن وعود لامتلاك أشياء في المقابل مستقبلاً؟، بمعنى آخر هل الزكاة التي نخرجها أموال حقيقية من أموال حقيقية (من الأموال المذكورة في القرآن مثل الذهب والفضة، إلخ) أم نخرج أرقاماً من أرقام - في أي لحظة قد تكون عدماً لو حدث شيء لضامن هذا الرقم؟. في هذا الزمان وفي وجود النظام المالي العالمي الحديث، حيث استبدل المال الحقيقي مثل الذهب والفضة، إلخ commodity money كوسيلة للتبادل والشراء والبيع بالأوراق الرقمية سواء كانت أوراقاً نقدية أو شيكات أو أوراقاً بنكية أخرى Fiat money، نجد أننا أمام تساؤلات تطرح نفسها حول طبيعة الزكاة المخرجة في هذا العصر. وبخصوص تأثير النظام المالي الحديث على الزكاة، هل الأموال التي ذكرها الله في القرآن الكريم عندما تم ذكر الزكاة والصدقات هي العملات الرقمية الحديثة (سواء كانت النقود الورقية أو الشيكات أو الأوراق البنكية الأخرى)؟، وهذا السؤال يجرنا إلى سؤال آخر يقول: هل الأموال الرقمية الحديث لها قيمة ذاتية في نفسها كالأموال الحقيقية (الذهب والفضة، إلخ)، التي ذكرها الله في القرآن الكريم؟، هل ستكون لها قيمة لولا ثقة الناس في الحكومات التي تقف خلفها؟ يعني هل لها قيمة لو لم تكن حكومتها موجودة؟ هل الشخص المسلم عندما يريد أن يزكي من الأموال الرقمية الحديثة (مثلا، الأوراق النقدية) هل هو يزكي شيئاً له قيمة في ذاته؟، بمعنى آخر هل الأرقام التي لنا في البنك هي أموال حقيقية – ذهب وفضة، إلخ ؟ الجواب بلا شك "كلا". وكلنا يعلم أن زكاة المال الحقيقية واجبة، ومن أهم الأسباب أنها تطهر الغني من البخل والشح، وكذلك تطهر نفس الفقير من أن يكون في نفسه شيء على الغني، ونجد إثبات ذلك في قوله تعالي: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم). لن أخوض في تفسير هذه الآية التي أعطت المبدأ الأساسي للزكاة، ولن أتطرق للآيات الأخرى في الزكاة بل أترك هذا للعلماء المختصين في تفسير القرآن الكريم فهم أدرى بذلك، ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أن في الزكاة منفعة للغني قبل أن تكون منفعة للفقير، وأنها نظام تكافلي ينفع المجتمع في الدنيا والآخرة. ولكن أليس طبيعة النظام المالي الرقمي الحديث وقواعده تحتم على هذا النظام الاقتصادي الرقمي أن يفرض الضرائب كي يتحاشى طباعة أوراق نقدية جديدة لتفادي التضخم؟، وسؤال افتراضي آخر يطرح نفسه، وهو إذا كانت الفلوس التي يزكى عنها في الوقت الحالي تطبع فلماذا لا تطبع عملات جديدة كزكاة عن جميع الأموال الموجودة لدى الناس؟ سنجد أن الجواب هو كما ذكرنا سالفاً هو تحاشي التضخم – وهذا صحيح، حتى إذا قيل النقود الحديثة تمثل قيمة الثروة (الأموال) وليست ثروة بحد ذاتها، نقول إذن هل آيات القرآن تنص على أن الزكاة من المال أم مما يسمى في هذا النظام المالي الحديث "قيمة الثروة" – النقود؟. إذن إذا كان ما نملك في البنك ليس أموالاً فكيف تجب الزكاة فيها؟ سوف أجاوب على هذا السؤال، ولكن أود أن أذكر معلومة اقتصادية بسيطة ولا يعرفها إلا المتخصصون في الاقتصاد والنظام المالي الرقمي الحديث، وبعد ذلك سوف أطرح بعض الأسئلة، هل تعلم أن النظام العالمي الرقمي الحديث في البنوك قائم على الربا (Fractional reserve) هذا بشهادة الغرب أهل هذا النظام أنفسهم، ولم تم منع البنوك من ممارسة الربا لما استلمت أنت عزيزي القارئ راتبك آخر الشهر، للأسف هذي هي طبيعة نظام العملات الرقمية في هذا الزمن بعد فك ارتباط الدولار بالذهب في عهد نيكسون رئيس الولايات المتحدة في عام 1971م. إن ما نملك في البنك هو رقم يضمن لنا الحصول على شيء مقابله في المستقبل بضمان الحكومة الضامنة له أي مثلاً قد تبيع أو تشتري ذهباً - المال الحقيقي الذي ذكر في القرآن - مقابل رقم في البنك لا يساوي شيئاً لو حدث شيء للحكومة الضامنة لهذا الرقم في اليوم التالي للشراء، أي تبيع أو تشتري المال الحقيقي مقابل وعد آخر يعطى لك إذا أنت بعت أو أنت تعطيه إذا أنت اشتريت، الشاهد هنا أن النظام المالي الحديث يعتمد اعتماداً كبيراً على لعبة الأرقام والثقة (والوقت هنا لا يسمح لمناقشة هذه النقطة/ اللعبة) وطالما نحن والعالم كله بدون استثناء قَبِل بهذه اللعبة المالية علينا أن نأخذ هذه اللعبة كما هي بقواعدها كاملة. ويجب أن نعي أن من قواعد هذا النظام المالي الرقمي الحديث الضريبة، هنا أود أن أوجه سؤالاً هل نحن نأخذ الضريبة من الشخص في المال الذي ذكره الله في القرآن الكريم (الذهب أو الفضة، إلخ) أم نأخذ رقماً من حسابه في البنك (العملات) ؟ هل من المصلحة لنا أن حسبة الزكاة (2.5) التي حسبت على الأموال الحقيقية في الماضي قبل النظام المالي الرقمي الحديث تحسب على الأموال الرقمية الحديثة (الفلوس والأوراق البنكية الأخرى) أم أكثر؟، ألم تكن الزكاة تأخذ 2.5 عندما كانت تأخذ من الأموال الحقيقية التي لا يمكن طباعتها أو استرجاعها على شكل ضرائب خلاف العملات الرقمية الحديثة التي يمكن طباعتها أو استرجاعها؟، أليست الضريبة سواء كانت ضريبة الدخل أو المبيعات هي أصل من هذا المالي الحالي إذا دار عليها الحول لها نفس الثبات في القيمة التي للأموال الحقيقة؟، هل الأرقام التي في حساباتنا هي شيء ملموس وله قيمة في ذاته بدون أن يضمنه أحد أثناء دوران الحول عليه كالأموال الحقيقة؟ إذا كان الجواب لا، أليس المفروض أن نجد حلاً لهذا الإشكال؟. وفي الأخير فإن وجهة نظر الكاتب هنا أننا والعالم كله بدون استثناء منذ السبعينيات من القرن الماضي نعيش مع نظام مالي عالمي غير النظام المالي الذي عرفه العالم والمسلمون منذ مئات السنين قبل ذلك، لذا يجب عندما نسعى لإعطاء وجهة نظر حول كيفية إخراج الزكاة في هذا العصر أن ننظر لطبيعة ما نسميه في وقتنا هذا أموالاً – هنا أقصد العملات الرقمية وبغض النظر عن نظرية القياس – وللفكرة الفلسفة والمعادلة الرياضية (Fractional reserve) التي يقوم عليها النظام البنكي الحديث والمعادلة الرياضية التي يقوم عليها النظام المالي الحديث التي لم تعرف الإنسانية مثله من قبل، وبعد ذلك نعرف كُنه هذه الأرقام في حساباتنا في البنوك وهل ما نملكه من عملات رقمية (fiat money ) في هذه البنوك هي أموال حقيقية أم لا؟ هل نحن نخرج زكاتنا أموالاً حقيقية أم شيئاً آخر؟.