19 سبتمبر 2025

تسجيل

الرئيس البار علي عزت بيجوفيتش رحمه الله

20 أكتوبر 2014

بالأمس، كانت ذكرى وفاة الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش رحمه الله، ففي العام 2003 يوم الأحد التاسع عشر من شهر أكتوبر انتقل إلى رحمة الله الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش رحمه الله تعالى، عن عمر ناهز الثامنة والسبعين. فعندما تطالع حياة وسيرة هذا الرجل تجده بالفعل رئيس دولة من الطراز الفريد أحب شعبه فأحبه شعبه بفطرته وتلقائية، دافع عنه ليحيا شعبه كريماً عزيزاً أبياً في هذه الحياة كبقية شعوب العالم، وهو نجم البلقان ونجم البوسنة ونجم مدينة سراييفو بلا منافس. وهو أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب الظالمة الغاشمة على شعب البوسنة بأكمله، هذه الحرب الوحشية الغادرة التي قُتل فيها 350 ألف مسلم وعشرات الآلاف المغتصبات النساء المسلمات العفيفات ومن الجرحى، ظل فيها هذا الرئيس البار رحمه الله، في قلب المأساة والمحنة والألم لم يفر ولم يهرب من هذا الحصار الظالم بل قرر أن ينتصر لكرامة شعبه بل للمسلمين ولدينه ولوطنه ومبادئه. سجن الرئيس الوفي لشعبه علي عزت بيجوفيتش رحمه الله، عدة مرات في عهد الديكتاتور اليوغسلافي تيتو، وكان هذا الديكتاتور يكره علي عزت، وعندما زاره أحد الرؤساء وكان صديقاً لتيتو فسأله عن علي عزت فأجابه تيتو: إنه رجل خطير. "كانت أمه حريصة على الصلاة وكانت توقظه لصلاة الفجر ليصليها في المسجد، وكان (علي) متأثرا بإمام المسجد العجوز الذي كان دائماً يتلو في الركعة الثانية سورة الرحمن، ويشيد بـ "ذلك الإمام العالم الذي يوقره جميع أهل الحي .. المسجد بين أزهار الربيع وصلاة الفجر وسورة الرحمن... صور جميلة مازلت أراها بوضوح من بين ضباب السنين التي مضت "فتأمل أيها القارئ... كان رحمه الله تعالى جادا في حياته وفي أعماله اليومية، صاحب حضور سياسي واجتماعي، عارفاً بالقضايا الدولية، مفكراً واسع الأفق، عميق الفكر، صاحب العين البصيرة والنظرة البعيدة، له من النباهة والعزيمة والحمية، حريصاً على تحرير فكره وأمته من قيود العبودية، يسير دائماً نحو معالي الأمور، مكافحاً سياسياً ذا دهاء، مناضلاً عنيداً عن حق وكرامة، متميزاً بالجد والاجتهاد والعطاء الذي لا يتوقف، نصير الإسلام في البوسنة، ذا صلابة في المواقف وتصميم على الكفاح. ففي إحدى الجمع وصل الرئيس البوسني إليها وهو متأخر, وكان قد اعتاد الصلاة في الصفّوف الأمامية، ففتح له الناس الطريق إلى أن وصل الصف الأول فاستدار للمصلين وقال مقولته الشهيرة: "هكذا تصنعون طواغيتكم" فتأمل أيها القارئ... ◄ ومضة قال أردوغان يوم أن كان رئيساً للوزراء عن الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش الراحل رحمه الله" إن بيجوفيتش شخص لا يمكن نسيانه، وأشار إلى المحبة الكبيرة التي يكنها الأتراك لرئيس البوسنة الأول، واصفاً إياه بأنه جمع الحكمة مع القيادة وهو أمر نادر، داعياً له بالرحمة، ومتمنياً في الوقت ذاته للبوسنة والهرسك أن تحافظ على وحدتها وسلامها "اللهم احفظ البوسنة وشعبها من الأعداء ومن يساعد الأعداء.. وأدم عليها نعمة الأمن والأمان والتقدم والنهضة فالبوسنة أمانة في أعناقكم يا أهل السنة والجماعة. الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش رحمه الله عاش كبيراً، وتحرّك في الحياة كبيراً، وكان بين الناس وشعبه وأمته وقضايا أمته كبيراً، وترك بصمات كبيرة يشهد بها القاصي والداني وفارق الحياة كبيراً، وهو في صفحات التاريخ كبير، هو بإذن الله المتفضل عليه يوم القيامة كبيراً " في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر". ويوم "أعلن راديو البوسنة وفاته رحمه الله، لم يتمكن مسلمو البوسنة من إعلان الحداد الرسمي عليه، فقد اعترض على ذلك ممثل الصرب في الرئاسة الجماعية، لأن الصرب الحاقدين يعدون الرئيس علي عزت رحمه الله عدوّهم اللدود الذي وقف بدهاء وجرأة وذكاء في وجه أطماعهم في ابتلاع البوسنة والهرسك، من أجل إقامة إمبراطورية صربية طالما حلموا بها "حقد متأصل. ومن أهم الكتب التي ألفها الرئيس البار علي عزت بيجوفيتش رحمه الله نذكر منها "هروبي إلى الحرية". كتبه وهو في السجن" و"عوائق النهضة الإسلامية "، و"الأقليات الإسلامية في الدول الشوعية"، و"البيان الإسلامي"، و"الإسلام بين الشرق والغرب"، قال عنه وود وورث كارلسن إن هذا الكتاب ومؤلفه علي عزت بيجوفيتش" إن تحليله للأوضاع الإنسانية مذهل، وقدرته التحليلية الكاسحة تعطي شعوراً متعاظماً بجمال الإسلام وعالميته". حاز ونال رحمه الله جوائز عالمية كثيرة من أهمها جائزة الملك فيصل رحمه الله العالمية لخدمة الإسلام لعام 1993م، ولم يكن يوماً يسعى رحمه الله للجوائز والأوسمة وتربع المنصات ولم يتطلع إليها، بل هي التي كانت تطرق بابه وتأتيه شخصياً، فقد أحبه شعبه البوسني جميعهم، وعرفه العرب والمسلمون وأحبوه، وكذلك أصحاب الفكر والثقافة، وأهل السياسة من جميع الشعوب والأمم، وكان أثره وتأثيره واضحا في جميع الميادين الفكرية والدعوية والسياسية والثقافية والمحافل الدولية. وفي ورقة خطها قبل وفاته تم العثور عليها في فراشه رحمه الله، وهي عبارة عن أبيات شعرية باللغة البوسنية، يقول فيها "رسالة إلى نفسك.. لو بلغت هامتك عنان السماء.. سيكون الموت نهايتك.. لو طفت الأرض شرقًا وغربًا سيكون السكون بدايتك.. تستقبل في حياتك ضيوفًا كثر، لكن ضيفًا غير مرغوب فيه سيحل عليك.. كل شيء سينتهي لتبدأ حياتك بعد الموت.. هذا العالم سيموت.. لذلك كن مستقيمًا " فتأمل أيها القارئ... ◄ ومضة رحمك الله أيها الرئيس البار علي عزت بيجوفيتش لوطنك ولشعبك ولمبادئك ولأمتك ولإنسانيتك.. فهكذا الرؤساء والزعماء والقادة الكبار لا يخونون ولا يغدرون أوطانهم وأمتهم وشعوبهم، أسماؤهم تكتب في السجل الذهبي بأحرف من نور ويترحم عليهم جيلاً بعد جيل.. أما الطغاة وأعوانهم والمتآمرون على الأمة وعلى دينها إلى مزابل التاريخ لا يذكرهم أحد أبداً. اللهم اجعل ما سطرناه عن الرئيس البار علي عزت بيجوفيتش في ذكرى وفاته خالصاً لوجهك الكريم، فإن كان صواباً فمنك وحدك، وإن كان غير ذلك فمن النفس والهوى الشيطان.