03 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا واختبار الهوية المستمر

20 أكتوبر 2012

يقول وزير خارجية السويد كارل بيلدت لصحيفة ميللييت التركية إنه كلما تراخت العلاقات التركية الأوروبية وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط انعكس ذلك سلبا على تركيا. وقال إن العلاقات التركية الأوروبية ليست في مرحلة انهيار تام لكن التوقعات تراجعت. وقال "إن تركيا انفتحت على الشرق لكن "الأرض الموعودة" لم تظهر لذا فإن أنقرة ستعود بعد فترة إلى الخيار الأوروبي. الجغرافيا شرق الأوسطية قلقة ومهتزة. إن تركيا مبتعدة عن أوروبا ستكون أقل استقرارا وأكثر تعرضا للمخاطر في منطقة صعبة وغير مستقرة مثل الشرق الأوسط. وفي هذه الظروف ستشعر تركيا بالحاجة من جديد لأوروبا". وقال إن تركيا هي في بداية هذا "السيناريو السيئ". يحمل هذا الكلام المهم والنوعي مأزقا تركيا في طريقة التعامل مع النهج المؤدي إلى الحداثة والتقدم وما إذا كان يمثله خيار الاتحاد الأوروبي أم لا. عندما جاء أتاتورك إلى السلطة وأسس الجمهورية في العام 1923 كان حاسما في أن البنى والذهنية العثمانية، الإسلامية، كانت السبب في تخلف الدولة العثمانية وانهيارها. فاختار عكسها وشرع في نهج تغريبي في كل شيء حتى في طريقة الزي الذي يجب أن يرتديه الأتراك مع سنّ قوانين ملزمة بهذا الشأن وأشهرها ما عرف بـ"قانون القبعة"، مع فرض عقوبات على من لا يرتدي القبعة بدلا من الطربوش. حمل أتاتورك محراثه حارثا التربة العثمانية- الإسلامية في إجراءات طالت الأخضر واليابس حتى أنه غيّر الأبجدية العربية للغة وأحل محلها الأبجدية اللاتينية. كان واضحا في رأس أتاتورك ما الذي يريده، قد يكون يريد ضمنا تدمير الإسلام، وقد يكون يعمل على إخراج المسلمين من تخلفهم، كانت تجربة جديدة ورائدة وتحتمل من الخطأ كما من الصواب. أما اليوم مع حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان ومن معه فإن الصورة غامضة إلى حد كبير. وقد تخفي أجندات سرية وقد تكون نتيجة ارتباك وتجريب. الإسلاميون في تركيا كانوا دائما ضد الاندماج بالمؤسسات الغربية وكانوا ضد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. الزعيم الراحل نجم الدين أربكان نفسه كان يصف الاتحاد الأوروبي بخرقة بالية يجب تمزيقها مشيراً إلى خيار الدول الإسلامية وأطيح به من جانب العسكر وواشنطن لهذا السبب في العام 1997. وكان إلى جانبه في قيادة حزب الرفاه كل من عبد الله غول ورجب طيب أردوغان وبولنت ارينتش. وهؤلاء كلهم اليوم هم الذين يقودون تركيا. عندما بدأت فترة سلطة حزب العدالة والتنمية قامت حكومات أردوغان بالتقدم على الطريق الأوروبي إلى درجة جعلت أوروبا توافق على بدء مفاوضات مباشرة مع أنقرة في العام 2005. لكن كل شيء انتهى هنا. ومنذ ذلك الحين تعتبر المفاوضات شبه مجمدة أو مشلولة لشروط أوروبية من هنا ورفض تركي لها من هناك. قبل أيام نشر الاتحاد الأوروبي تقريره الدوري عن مسار العلاقة مع تركيا. وكان تقريرا قاسيا لانتقاداته الكثيرة لسجل حكومة أردوغان خصوصا في مجال الحريات والديمقراطية ولاسيَّما حرية الصحافة. وكانت ردة الفعل التركية الأقوى من جانب وزير الملف الأوروبي ايغيمين باغيش الذي دعا إلى إهمال التقرير ورميه في سلة المهملات! قد يكون كلاما انفعاليا وفي لحظته، لكن لا يبدو أن مثل هذه النظرة التركية إلى الاتحاد الأوروبي مجرد رأي شخصي أو انفعالي بل تبدو نهجا جديدا لدى حزب العدالة والتنمية. ففي نهاية شهر سبتمبر الماضي أي قبل عشرين يوما فقط، ولم يكن التقرير الأوروبي الجديد قد صدر، كان أردوغان يخطب في مؤتمر حزبه الرابع لمدة ساعتين ونصف الساعة. جال الرجل في التاريخ السلجوقي والعثماني ولم يذكر ولو مرة واحدة الاتحاد الأوروبي. بل أعطى من الأمثلة في التاريخ العثماني وقبله السلجوقي ما هو عبارة عن مواجهات عسكرية دامية بين الأتراك والبيزنطيين. فهل يمكن اعتبار مواقف أردوغان في تجاهل الاتحاد الأوروبي مجرد هفوة وانتقاد باغيش للتقرير الأوروبي مجرد زلة لسان أو انفعال؟ من هنا فإن كلام وزير الخارجية السويدي يحمل أهمية خاصة في توصيف العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي لجهة أنه إذا كانت تركيا تريد الخروج من تورطها في مستنقعات الشرق الأوسط فعليها أن تعود إلى الخيار الأوروبي. وهذا مرتبط في النهاية في تصور حزب العدالة والتنمية لمستقبل تركيا التي لا تزال "حقل اختبار" لهوية لم تستقر بعد منذ قرن حتى الآن.