16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استاءت بعض الأحزاب من الحراك الشعبي الذي شهده الشارع اللبناني في الأسابيع الماضية، مبعث الاستياء يعود إلى أن هذا الحراك شمل اتهام الطبقة السياسية بالفساد، ولم يستثن أحداً دون آخر. وفي الوقت الذي أهملت بعض الأحزاب هذا الحراك ولم تلقِ به بالاً، ثارت ثائرة أحزاب أخرى، وشنّت حملة تشويه للحراك الشعبي، فهي تعتبر نفسها منزهةً عن الفساد، وتدّعي أنها سبقت الحراك الشعبي في الدعوة لمحاربته بسنوات، فهل تقبل اليوم أن يتم اتهامها بهذه التهمة ووضعها في خانة واحدة مع الأحزاب الأخرى؟!.أحد هذه الأحزاب المستاءة هي في الأصل تمنح نفسها صبغة القدسية الإلهية، وهي احتكرت لواء الدفاع عن اللبنانيين رغماً عن أنوفهم، وتوزّع على مؤيديها ومناصريها وشبّيحتها وجميع من نجحت بشراء ذممهم أوصاف "أشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس"، حتى ولو كانوا من المجرمين والقتلة ومروّجي المخدرات. نزاهة هذا الحزب وطهارته وصلت حد إرغام إحدى وسائل الإعلام على نزع صورة زعيمه من قائمة زعماء الفساد في لبنان التي كانت تضعها خلفية لأحد برامجها التلفزيونية. كثرت الشعارات التي يرفعها الحراك الشعبي، فمن شعار "طلعت ريحتكن" إلى "بدنا نحاسب" و"كلكن يعني كلكن" وصولاً إلى "حلّوا عنّا" و"عالشارع".. القاسم المشترك بين جميع هذه الشعارات أنها تحارب الفساد وتطالب بالإطاحة بالمفدسين، لكن ما هو الفساد، وما هي أشكاله ودرجاته وأنواعه؟ وهل الفساد يمكن اختصاره فقط بسرقة المال العام وتلقي الرشاوى والمحسوبيات وتقاسم المصالح؟ ماذا عن أشكال الفساد الأخرى التي يزيد ضررها على اللبنانيين أضعاف أضرار الفساد المالي والإداري؟ سؤال آخر: من هم الفاسدون، هل هم فقط الذين ينهبون ويسرقون ويستغلون مناصبهم، أم أنه يشمل آخرين، أفعالهم وارتكاباتهم بحق لبنان واللبنانيين تجاوزت بكثير أفعال الفاسدين، وماذا عن الذين لم ينخرطوا بلعبة الفساد، ليس تعففاً، بل لأنهم لم يكونوا مضطرين لذلك، بما أن ملايين الدولارات تصلهم من وراء الحدود. ثم ماذا عن الفاسدين الذين لم تسنح لهم فرصة لممارسة فسادهم، أيضاً ليس تعففاً، بل لأن قوتهم ونفوذهم لم يسعفهم للالتحاق بجنة الحكم وإبراز مواهبهم بالسرقة والنهب والاستغلال.ثم ماذا عن الذي يعطل عجلة الدولة ويهدد بفرط عقدها، ويعرقل حياة اللبنانيين، فقط لأن بعض التعيينات في الدولة لم تأت حسب مزاجه ألا يكون فاسداً. أليس فاسداً الذي يعرقل انتخاب رئيس للجمهورية طالما أن الانتخاب لن يحمله إلى قصر بعبدا، أليس فاسداً الذي يعرقل تشكيل حكومة ما لم يتم إسناد حقيبة لصهره؟ أليس فاسداً الذي يكون مستعداً لضرب المؤسسة العسكرية وإحالة عشرات الضباط على التقاعد فقط كي يأتي من يريد قائداً للجيش؟!.ألا يكون فاسداً الذي يبسط سطوته ونفوذه على اللبنانيين، ويحتكر حمل السلاح، كما يحتكر أموراً كثيرة أخرى؟ أليس فاسداً الذي لا يعبأ بوجود سلطة أو دولة أو مصالح شعب فينخرط في مشاريع إقليمية ودولية تعود بالويل والثبور وعظائم الأمور على اللبنانيين، وتضرب علاقتهم بأشقائهم العرب، وتنعكس سلباً على أوضاع مئات آلاف المغتربين الذين يعملون في دول الخليج العربي؟ أليس فاسداً ذلك الذي ربما تجنب السرقة ونهب المال لعدم الحاجة إليه، لكنه يمارس القتل والتنكيل بحق شعب ارتكب جريمة المطالبة بالحرية؟ أليس فاسداً من يقمع أصوات من حوله، ومن لا يستجيب لقمعه يكون عرضة لاتهامات العمالة والتخوين؟!.هل هؤلاء هم فقط الفاسدون؟ ألا يمتد الفساد إلى الشعب اللبناني نفسه، الذي لا يتعلم من أخطائه فيعيد اختيار الطبقة السياسية الفاسدة نفسها في كل محطة انتخابية، ألا يشمل الفساد اللبنانيين لأنهم لا يتحركون ولا يتظاهرون ولا يثأرون إلا حين يتم المساس بالقائد الملهم والزعيم المظفر والطائفة المصون، في حين أنهم لا يهتمون كثيراً بعجزهم عن تأمين قيمة القسط المدرسي لأبنائهم، أو السهي لتأمين التيار الكهربائي. ألا يشمل الشعب اللبنانيين الفساد لأنهم تكيّفوا مع واقع أن الواسطة والمحسوبية هي الطريق للوصول إلى الوظائف العامة، بعيداً عن الكفاءة والجدارة، ألسنا جميعاً فاسدين و"طلعت ريحتنا" لأننا ارتضينا العيش في وطن يتقاسم خيراته طبقة نافذة من الفاسدين، ونكرر منح الثقة لهم، ونهتف لهم، ونفديهم بأرواحنا؟!الحراك الذي يشهده الشارع لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا اقتصر على مواجهة الفساد المالي والإداري، وأهمل مواجهة أشكال الفساد الأخرى التي تشكل خطراً وأذى، أضعاف ما يشكله الفساد الذي يطالب المتظاهرون في الشارع بالقضاء عليه.