13 سبتمبر 2025
تسجيلارتبط مفهوم التقاعد فى كثير من الثقافات بمفهوم النهاية والتوقف عن العمل والعطاء، ولعل ذلك المفهوم المفتعل هو ماجعل تلك المرحلة محاطة بهالة من الحزن والخوف والملل وربما الانطواء والاكتئاب للشخص ومن حوله.وتشير معظم الدراسات النفسية إلى أن هناك آثارا سلبية ترتبط وتتزامن مع هذه المرحلة، وبرؤية نفسية نجد أن تلك الآثار ترتبط بالشخص نفسه ومدى استعداده المسبق لتلك المرحلة سواء الاستعداد المادي أو النفسي أو الاجتماعي، فمرحلة التقاعد لا تمثل مشكلة نفسية بحد ذاتها و وإنما تتمثل المشكلة في الاستعداد غير الكافي وسوء التخطيط المسبق، مما يخلق مشاكل وضغوطا نفسية واجتماعية مركبة مثل الشعور الدائم بفقدان القيمة، الذي يتزامن مع الملل والنظرة الحدية للحياة والجمود الفكري، وكذلك الشعور بالاغتراب العاطفي، الذي يأتي نتجية اصطدام التوقعات من المجتمع وبين ماقد يحصل عليه المتقاعد فعلا من اهتمام وتقدير، تتمثل المشكلة أيضا في العصبية والانفعال السلبي على أبسط الأمور لشعور المتقاعد المستمر بالضجر وعدم الرضا، مما يؤدي إلى الخوف من تقلص العلاقات الاجتماعية ويدفعه للمبادرة بالانزواء حتى لا يجد نفسه مجبورا عليه نهاية المطاف. إن مرحلة التقاعد لا تمثل مرحلة العطاء المحدود وإنما هي مرحلة العطاء المختلف، ذلك لأن حقيقة الإنسان ليس بعدد سنوات عمره وإنما بمدى قدرته على استثمار خبرات حياته وتجاربه فى جميع مراحل حياته ومجالاته، فالتوازن فى نظرة المتقاعد لنفسه وتوقعاته من المجتمع يمنحه فرصة الأداء المتناغم والمنسجم مع تلك المرحلة، بمعنى أن مسؤلية تحديد أدوار المتقاعد الجديدة تقع عليه هو أولا عندما يبدع فى صياغة حياته حسب إمكاناته، وهو بذلك يشارك المجتمع الذي يكتمل بتجاربه التي تمتاز بالعقلانية والشمولية والعملية وقد ينشأ التصادم بين المتقاعد ومن حوله أحيانا عندما يهاب المحيطين تدخلات المتقاعد المتوقعة فى حياتهم التي قد تمس بحرية الأفراد كالزوجة والأبناء حتى الإخوة والأحفاد في بعض الحالات، فأزمة البعض تبدأ عندما يتعمد إقصاء المتقاعد وسلبه حقوقه الإنسانية بحجة جموده الفكري وعدم مناسبة توجهاته للعصر الحالي، تلك النظرة التي تركز على سلبيات المرحلة دون النظر إلى المكاسب التي تضيفها خبرة المتقاعد لحياتهم الاجتماعية والشخصية.