14 سبتمبر 2025

تسجيل

سبتمبر الأمريكي وسبتمبر الشيلي وازدواجية المعايير

20 سبتمبر 2014

قبل واحد وأربعين سنة وبالضبط في 11 سبتمبر من عام 1973، أطاح الجيش التشيلي بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه بالرئيس سلفادور أليندي المنتخب ديمقراطيا. الانقلاب خُطط له بطريقة محكمة من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث لعب وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر دورا مباشرا في المؤامرة العسكرية. في الأسابيع التي سبقت الانقلاب، عقد السفير الأمريكي ناثانيل ديفيس وأعضاء وكالة المخابرات المركزية اجتماعات مع كبار القادة العسكريين في تشيلي ومع قادة الحزب الوطني والجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة. أمريكا وقتها وكذلك اليوم لا تطيق الفكر التحرري ولا أي أيديولوجية تختلف مع أهدافها وأجندتها. فاليسار الشيلي كان يزعجها والرئيس الجديد كان يثير قلقها خاصة أن فيدال كاسترو كان بمثابة المسمار في النعش بالنسبة للعم سام. فالولايات المتحدة كانت لا تريد حلفاء وأصدقاء للاتحاد السوفييتي في أمريكا اللاتينية وكانت لا تطيق من لا يؤمن بأيديولوجيتها وقيادتها للعالم. وبذلك كان الحل الوحيد أمامها هو استعمال كل الطرق والوسائل للتخلص من أي فكر سياسي يقف أمام مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة. يشاء القدر أن أمريكا التي لعبت بمصير شعب ودولة بكاملها تُضرب في كبريائها وكرامتها بعد 28 سنة من فعلتها الشنيعة في شيلي في نفس الشهر ونفس اليوم 11 سبتمبر. والأخطر من كل هذا أن العالم بأسره يعرف تفاصيل سبتمبر الأمريكي عن ظهر قلب، لكن معظم الناس في مختلف بقاع العالم لا يعرفون شيئا عن المخابرات المركزية الأمريكية ودورها في الانقلاب ضد أليندي، وأخطر من ذلك أنهم لا يعرفون أن عدد ضحايا الانقلاب في شيلي هو عشرة أضعاف ضحايا المركز التجاري في نيويورك. وهنا نلاحظ التلاعب والتحكم في الرأي العام الدولي والكيل بمكيالين وكأن الفرد الأمريكي أكثر أهمية وقيمة من غيره في العالم، أو يساوي عشرة أضعاف الفرد في باقي دول المعمورة خاصة في الدول الفقيرة والمغلوب على أمرها. عندما يذكر المرء 11 سبتمبر يخطر ببال الناس الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاجون، بينما هناك سبتمبر آخر أكثر دموية وهمجية وأكثر ضرر. 11 سبتمبر جرت أحداثه في تشيلي في عام 1973، قبل 41 عاما. كان انقلابا دبرته الولايات المتحدة الأمريكية ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي. الانقلاب الهمجي والوحشي تسبب في هلاك أكثر من 40،000 شخص بين مقتول ومفقود، ما يعني 10 أضعاف ضحايا 11 سبتمبر الأمريكي. في الوقت الذي نلاحظ فيه أن هجمات 9/11 على الولايات المتحدة الأمريكية نجمت عنها مئات الآلاف من المقالات والتعليقات والتحليلات في جميع أنحاء العالم وفي مختلف وسائل الإعلام، نلاحظ أن الإطاحة بالرئيس الشيلي لم تلق التغطية اللازمة ومر الحدث من دون اهتمام عالمي يذكر. انعكاسات انقلاب شيلي كانت وخيمة على الشعب الشيلي من حيث الضحايا والاقتصاد والوضع الاجتماعي. فالحكم الجديد الذي جاءت به أمريكا أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية وتدهور الاقتصاد وتفشي الفقر في البلاد والبطالة والأوبئة الاجتماعية من مخدرات وجرائم وكذلك انعدام الأمن والعدالة الاجتماعية. أحيت رئيسة الشيلي ميشيل باشيلي يوم الخميس 11 سبتمبر الماضي الذكرى السنوية للانقلاب العسكري عام 1973 والذي أطاح بالرئيس سلفادور أليندي من خلال حث الشيليين على المضي قدما مع أي معلومات قد تكون لديهم عن الأشخاص الذين اختفوا خلال الحقبة الدكتاتورية في عهد بينوشي، الحقبة التي شهدت قتل 40،000 شخص خلال ديكتاتورية دامت 17 عاما. من جهتها تحي أمريكا وغيرها من حلفائها في أرجاء العالم ذكرى 11 سبتمبر الأمريكي كل عام، ماذا عن 11 سبتمبر شيلي؟ ماذا عن الآلاف من الأبرياء والمدنيين والأطفال والمسنين الذين قُتلوا من قبل الجيش والطغمة العسكرية الغاشمة. إنها ليست مسألة مقارنة الحزن والألم، لكن لسنوات عدة حاولت وأصرت وسائل الإعلام الأمريكية إقناع بقية دول العالم ودول العالم الثالث بشكل أساسي أن حياة أمريكا الشمالية أغلى بكثير من حياة الناس الآخرين. بعد كل شيء، فإن الأمريكيين يعتقدون أن شعوب الدول النامية تستحق الاعتقال والتعذيب والقتل. والحقيقة هي أنه ولا رئيس أمريكي واحد اعتذر عما قامت به بلاده من التدخل في شؤون الغير والإطاحة برئيس دولة منتخب ديمقراطيا. الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام تستخدم معايير مختلفة لقياس المعاناة. هذا هو بالضبط النفاق وهذه هي المعايير المزدوجة التي تجعل بقية دول العالم تدين وتستنكر سلوك الولايات المتحدة في أجزاء مختلفة من العالم. فحتى وسائل الإعلام مع الأسف الشديد تركز على أشياء وتهمل أشياء أخرى أكثر أهمية. فأجندة الأخبار الدولية تحددها إمبراطوريات إعلامية مرتبطة ارتباطا شديدا بالقوى العظمى ومصالحها السياسية والاقتصادية، بل هذه الإمبراطوريات الإعلامية أصبحت جزءا لا يتجزأ من الشركات المتعددة الجنسية وإمبراطوريات المال والأعمال والسياسة. كان الهدف الرئيسي من انقلاب عسكري تدعمه الولايات المتحدة في شيلي في نهاية المطاف هو فرض الأجندة الاقتصادية النيوليبرالية والتخلص من أي فكر سياسي وأيديولوجي قد يتعارض مع السياسة الأمريكية. فالتغيير في شيلي لم يُفرض من قبل الدائنين الخارجيين بتوجيه من صندوق النقد الدولي أو أي منظمة دولية أخرى وإنما تم فرض "تغيير النظام" من خلال عملية استخباراتية عسكرية سرية، والتي وضعت الأساس لانقلاب عسكري وضع " خطة لإصلاحات اقتصادية كلية واسعة" بما في ذلك الخصخصة وتحرير الأسعار وتجميد الأجور(في أوائل أكتوبر 1973) بعد بضعة أسابيع من الانقلاب العسكري. فالمجلس العسكري برئاسة الجنرال أوغستو بينوشيه أمر برفع سعر الخبز من 11 إلى 40 إسكودو، بزيادة كبيرة جدا وفي زمن قياسي، وصلت إلى 264٪. هذا "العلاج بالصدمة الاقتصادية" قد تم تصميمه من قبل مجموعة من الاقتصاديين تسمى "شيكاغو بويز" ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية بنسب خيالية، تم تجميد الأجور لضمان "الاستقرار الاقتصادي ودرء الضغوط التضخمية". فبين عشية وضحاها دخل الشيلي في براثن الفقر. في أقل من سنة ارتفع سعر الخبز في شيلي ستة وثلاثين مرة 3700٪. كما أنه بفضل الانقلاب العسكري الأمريكي أصبح 85% من الشيليين يعيشون تحت خط الفقر باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. فهناك إذن اثنان 11 سبتمبر، الأول اعتدت أمريكا من خلاله على سيادة دولة مستقلة (11 سبتمبر 1973) والثاني تم من خلاله الاعتداء على أمريكا (11سبتمبر 2001)، لكن للإعلام وصانعي الرأي العام رأيا آخر حيث إن سبتمبر الأمريكي يحظى بالإعلام والعلنية والحضور وسبتمبر شيلي تناسه الزمن وهناك القلة القليلة التي تعرف عنه.