19 سبتمبر 2025
تسجيلمثل سوداني طريف ينتقد ذلك الرجل الذي جاء الناس ليساعدوه بَيد أنه لا يساعد نفسه أصلا، بل الأنكى وأضل أنه يمنع منح الأدوات التي بيده للذين جاءوا لمساعدته.. يقول المثل: (جاءوا يساعدوه في حفر قبر أبيه، فدس المحافير أي أدوات الحفر).. لم تساعد الحكومة السودانية نفسها وتقدر الجهود الخارجية التي عكفت أزمانا طويلة على حل مشكلة دارفور، لم ترع اتفاقية الدوحة حق رعايتها وتهيئ المناخ لتطبيقها.. آخر الأخبار نفي قطر ما أورده المتحدث باسم بعثة اليوناميد بالخرطوم، موافقة الدوحة على نقل ملف التفاوض مع الحركات المسلحة من الدوحة إلى أديس أبابا.. المتحدث باسم سلطة دارفور القائمة على مرجعية اتفاقية الدوحة وربما بضوء أخضر من الخرطوم أطلق بالونات اختبار وتصريحات حمالة أوجه بقوله: "إن رئيس الآلية الإفريقية والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ثامبو أمبيكي، أبلغ دولة قطر بأنه سيتم التفاوض حول وقف إطلاق النار في أديس أبابا ورغبة الحركات الأكيدة بالذهاب إلى الدوحة، وكذا رغبتها بالمشاركة في الحوار الوطني".. مسؤول سوداني آخر، عضو بوفد الخرطوم في المفاوضات مع قطاع الشمال، قال: "إن زيارة ثامبيو أمبيكي إلى دولة قطر تأتي لتقديم مقترح بإجراء تعديلات طفيفة على اتفاق الدوحة، لاستيعاب الحركات المسلحة في الحوار الوطني".. من قال إن اتفاقية الدوحة لا تشمل ترتيبات وإجراءات لوقف إطلاق النار حتى يتم التفاوض حول وقف إطلاق النار جديد في أديس أبابا؟ ومن قال إن اتفاقية الدوحة لا تسمح باستيعاب الحركات المسلحة في الحوار الوطني المزعوم حتى يجري عليها تعديلات "طفيفة"؟ وسؤال مهم آخر ما هي النجاحات التي حققها أمبيكي خلال السنوات الماضية وهو يخوض في الوحل السوداني، حتى يعمل آلته التخريبية في اتفاقية الدوحة؟ لماذا تدس الخرطوم (المحافير) وتسمح بهذا العبث وتغفل عجزها وهو السبب الرئيسي في تعثر حل مشكلة دارفور وليس اتفاق الدوحة. أكثر من عشر سنوات على اندلاع حريق دارفور دون أن تجدي محاولات الإطفاء المستميتة فتيلاً، وبقيت ألسنة اللهب ترتفع من حين إلى حين رغم خراطيم المياه والمركبات الكيميائية المضادة للنار، سواء بالمحاولات الحكومية أو الإقليمية أو الدولية.. انعدام الأمن في دارفور والصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحكومة، ولا نقول المناطق التي تسيطر عليها الحركات المسلحة، سبب رئيسي في تعثر تطبيق الاتفاق.. وزير الدفاع السوداني يقول إن الصراعات القبلية في دارفور أصبحت مهدداً أمنياً أكثر من التمرد.. وظل في الوقت نفسه يقول إن الجيش سيحسم المتمردين والمتفلتين والمارقين والمرتزقة والخونة وعصابات النهب والسلب.. وتارة يقول الرجل: "إن الأوضاع في دارفور تحت سيطرة القوات المسلحة تماماً، وأن التمرد يمضي إلى الزوال".اليوم وفي ولاية شمال دارفور فجر انتخاب الوالي صراعاً ملتهباً بين عثمان محمد يوسف كبر (والي الولاية)، وموسى هلال (زعيم قبيلة المحاميد) وكلاهما عضوان في المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم، واشتعل الصراع القائم على أسس قبلية ليصبح أكبر مهددات الاستقرار في الولاية.. في ولاية دارفورية أخرى وهي ولاية شرق دارفور وقفت الحكومة المركزية عاجزة أمام صراع دموي بين أبناء قبيلتي الرزيقات والمعاليا راح ضحيتها آلاف الأبرياء من الجانبين.من قبل وفي خضم هذه الحالة السريرية لأزمة دارفور أضاء رئيس السلطة الإقليمية لدارفور تيجاني سبسي إشارتين تحذيريتين، الأولى برتقالية، لكن من بعد ذلك حدث تطور أكثر خطورة على الصعيد الميداني جعل السبسي يضيء إشارة حمراء، حيث اتهم الحكومة بمهاجمة قواته بالقرب من مدينة الفاشر عاصمة السلطة الإقليمية.. الإشارة البرتقالية تمثلت في تحذير السبسي من "تلكؤ" الحكومة في الإيفاء بتعهداتها لصندوق إعمار دارفور والبالغة 200 مليون دولار. وشدّد على أن المال يشكل حجر عثرة في انطلاق السلطة الإقليمية، ورفض أن تعامل سلطة دارفور كوحدة حكومية تستجدي المال من وزارة المالية المركزية في الخرطوم.اليوم حال إنسان دارفور مثله مثل ذلك الثائر التونسي الذي ظلت قناة الجزيرة تكرر جملته المؤثرة (لقد هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية) ومن حسن حظه أنه نال مبتغاه أخيراً، بيد أن إنسان دارفور بلغ من عمر الانتظار عتياً.. فمتى تأتي اللحظة التاريخية التي تشهد إغلاق ملف الأزمة المتطاولة؟ كان العام 2003م هو العام الذي انتشرت فيه الحركات المسلحة ومن المفارقة أن إحداها، وهي العدل والمساواة، كانت الأكثر شراسة في عملياتها العسكرية، قد خرجت من رحم نظام "الإنقاذ" الحاكم، نتيجة الانقسام الشهير بين أركان الحكم، المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، والمؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير.