12 سبتمبر 2025

تسجيل

فيلم الإساءة.. بين غايات عدونا وغوغائية ردنا

20 سبتمبر 2011

تنويه – في مقالي السابق ذكرت أن رئيس وزراء سلطة رام الله "سلام فياض" وفي محاولة منه لاحتواء الاحتجاجات أعلن أن حكومته ستعمل على زيادة الأجور والرواتب خلال الشهر المقبل وأنها ستخفض أسعار الوقود.. وقد رد عليّ مكتبه في رسالة لصحيفة الشرق بأن ما يتعلق بزيادة الأجور كلام عار عن الصحة " وأقول: ما أوردته في مقالي هو خبر أورده موقع ( رؤية الإخباري ) في تقرير كتبته " نورهان مقبل " يوم الثلاثاء 11 / 9 / 2012 الساعة ( 13.33 ) ونصه " أوضح « سلام فياض » رئيس الحكومة الفلسطينية خلال مؤتمر عقده، اليوم الثلاثاء لبحث أزمة الإضرابات وغلاء الأسعار، أن الحكومة ستعمل على زيادة الأجور والمرتبات خلال الشهر المقبل مع خفض أسعار الوقود.. وأنا إذ أنوه بمصدري لأؤكد أن الحقيقة فقط هي المقصد ويجب أن تكون هي الأساس للرد وللرد على الرد.  أعود لموضوعي - اليوم – فيما يتعلق بالفيلم المسيء وأقول:  الفيلم الصهيوني الرديء الذي حاول منتجوه الطعن من خلاله في الإسلام ونبيه العظيم صلى الله عليه وسلم معتمدين على مشاهد " جنسية مبتذلة " هو فيلم لا يمكن اعتباره أكثر من سماجات عقول وتخيلات سطحية وقذارات نفوس وشتائم هابطة، وبعد مشاهدتي لبضع دقائق منه وجدته لا يحمل أي قيمة فنية أو إبداعية لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون والمعالجات الموضوعية.. ولا يستند إلى توثيق علمي أو رواية تاريخية..  قلت: هو فيلم صهيوني وليس هذا رجما بالغيب؛ فمخرجه هو رجل الأعمال اليهودي الصهيوني " سام باسيل " وداعموه يهود صهاينة وغايتهم دعم الكيان اليهودي الصهيوني كما قال " باسيل " نفسه في تصريحات نقلتها عنه وكالة " قدس برس ".. ثم الأسلوب الهابط الذي تشكل فيه الفيلم هو أيضا من بنات أفكار وخيالات اليهود الصهاينة.. ولا غرابة، فاليهود قتلوا أنبياءهم – أنبياءهم هم - ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) واليهود حرفوا دينهم ووسخوا عقيدتهم – دينهم وعقيدتهم هم - ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) واليهود حاولوا قتل النبي عيسى عليه السلام لولا أن ألقى الله تعالى شبهه على يهودي منهم فقتلوه بدله ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم )، بل وصلت قباحتهم ووقاحتهم أن يطعنوا في رب العزة ذاته جل قدره وعلا شأنه وأن يقولوا ( يد الله مغلولة )، ويقولوا ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) ولولا أن الموضع لا يحتمل الاستفاضة في نقل الشواهد والنصوص من توراتهم وتلمودهم لأفضت وأفضيت وأوفيت..  وبالنسبة لنا فليس هذا أول اعتداءاتهم على ديننا ونبينا فهم الذين رسموا مرات - لا مرة – رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسومات وعلى أشكال مسيئة - وحاشاه منزها – وإمعانا في رجس قلوبهم جعلوها على حيطان المساجد وعلى قمصان شبابية وباعوها في أسواقهم، وهم الذين حرقوا المسجد الأقصى مرة وحاولوا نسفه وقصفه مرات، وهم الذين حرقوا مئات المساجد وحولوا مئات أخرى لمقاه وبيوت دعارة وحانات رقص وأسواق لمهرجانات الخمر منذ احتلوا فلسطين، حدث ذلك في مسجد مدينة بئر السبع " قبل أسبوعين فقط "، ووضعوا ذات مرة رأس خنزير في محراب مسجد يافا بفلسطين، أما عن منع المصلين من المساجد وعن الاستيلاء عليها وتجييرها لديانتهم فهو مما تطير به الركبان – كما يقال - وإذن فلا عجب ولا غرابة أن يضيفوا صفحة قذارة إلى ملف قذاراتهم وسوء أخلاقهم!!  ولكن ؛ يخطئ من يظن أن هذا الفيلم هو مجرد اعتداء أو سلوك يهودي صهيوني فردي ؛ فمخرجه هو الذي صرح أنه يريد به مساعدة الكيان الصهيوني.. أما كيف؟ فبإثارة المنطقة وتهيئتها لعمل عسكري قد يكون ضد إيران هذه المرة ويرى الكيان الصهيوني أنه صار ضروريا، وبإيقاع الصدام بين أمريكا وثورات الربيع العربي وباستفزاز المجتمع الغربي ضد المسلمين من أجل إعادة تصفيف العلاقة بين الكيان والغرب على أساس التعاطف مع الرواية الصهيونية للتاريخ والهلوكوست.. وهذا لا أقوله من منطلق " فكرة المؤامرة " ولكن استشفافا من متابعة ما تكتبه الصحف الصهيونية وما تتناوله الافتتاحيات وكتاب المقالات الرئيسية فيها فهم يتخوفون إستراتيجيا من البرنامج النووي الإيراني الذي تتلكأ أمريكا والغرب في مواجهته، ومن ثورات الربيع العربي الذي يبدي الغرب تعاطفا ولو مجاملتيا واحتوائيا معها، ومن انقلاب الصورة الصهيونية في الغرب من القبول والتعاطف إلى الرفض والإدانة وهو ما أبرزته استطلاعات الرأي وقوافل كسر الحصار على غزة وما أكده المتضامنون الأجانب مع الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة..  وبنظرة ماسحة وسريعة على ما جرى حتى الآن من ردات فعلنا على الفيلم وما كان يمكن أن يتمخض عن هذه الاحتجاجات العنفية ضد السفارات الغربية وبالأخص الأمريكية يمكن القول : إن الغايات الصهيونية لهذا الفيلم قد تحقق معظمها.. وبالقطع هم كانوا يتوقعونها وهم يعلمون أننا قوم عاطفيون وقد رأوا من قبل كيف كانت ردودنا على الرسومات الدانماركية والفرنسية المسيئة وأغلب الظن أنهم بنوا فكرتهم على هذا الأساس..  كان الأجدر والأجدى ألا تذهب ردات فعلنا إلى الانزلاق فيما يهدف إليه العدو من فوضى وصدام مع العالم الغربي؛ أولا: لأن المعتدي ظل سالما وفي الظل فيما غيره من أصيب بنا وبردات فعلنا ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ) المائدة 8، ثانيا : لأن تعميم العقوبة يحمي الفاعل المجرم ؛ والأصل في المعاقبة أن تخص وأن تفرّد على المعتدي فذلك يقطع شره ويلجم خطره ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ) – البقرة 190 ، ثالثا : لأن ميزان المصالح والمضار يقتضي أن نوحد جهة ردنا لا أن نتشتت فيما نجمع الخصوم عليه ضدنا ويتفرق الدم..  ولست أنكر أن يكون للأمة دور وردة فعل، ولكني أزعم أن بعض الغوغائيين استطاعوا أن يصرفوا الردود الشعبية إلى الغوغائية التي لا تنضبط بميزان المصالح والمفاسد وربما تأخذها العاطفة إلى مغامراتٍ؛ الأمة في غنى عنها.. وهو ما حدث بالفعل، فقد تحدثت صحف محترمة ونقل شهود موثوقون وتحدث علماء مصدقون بأن بعض من " هاجوا وماجوا " أمام السفارات كانوا من فلول النظم الساقطة وممن لم ير أحدهم في صلاة ولم يتردد على مسجد.. ( صحيفة " أخبار اليوم " اليمنية قالت : "إن قوات الأمن التي تحيط بمقر السفارة – الأمريكية - في صنعاء سمحت للمتظاهرين بتجاوز الحاجز الأمني والدخول إلى المنطقة المحيطة بالسفارة، ونسبت إلى عدد من المتظاهرين قولهم إن الجنود الذين يحرسون السفارة قالوا لهم ' ادخلوها بسلام آمنين " ). آخر القول : لا أقول إن هياج الشعوب على الإساءات بحق ديننا مدان أو هو مؤامرة.. على العكس من ذلك فهو في الأعم الأغلب انفعال طبيعي وغضب مشكور ودليل على عظم ما يمور في القلوب الصادقة من ولاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولكن ذلك ليس هو الرد النموذجي ولا هو الأحسن.. فالذي لا بد منه والذي لا بديل عنه هو أن يكون التحرك رسميا وشعبيا ومؤسستيا وإعلاميا وحقوقيا وعربيا وإسلاميا وعلى كل المستويات.. ولكن دون أن يحقق الصهاينة غايتهم بغوغائياتنا.. أما أمريكا والغرب فهذا درس يجب أن يفهموه وأن يروا إلى أي حد يصل مكر اليهود بهم قبل أن يكون بنا.