07 أكتوبر 2025
تسجيلفي الحديث عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قلت: يا رسول الله، إنك تدعو بهذا الدعاء، قال: يا عائشة، أو ما علمتِ أن القلوب، أو قال: قلبُ بني آدم بين إصبعي الله، إذا شاء أن يقلبه إلى هُدى قَلَبه، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلالة قلَبَه؟. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك، دعوة تعني الكثير الكثير، فالثبات على دين الله والحق المبين، يحتاج إلى جهد غير يسير ونيات مخلصة متجددة دوماً، فالإغراءات من حولنا كثيرة بل تزداد كل حين، والشبهات أكثر وأكثر، والخيط الفاصل بين الحق والباطل دقيق. ما أحوجنا هذه الأيام إلى الدعاء بصدق وإخلاص!، لاسيما دعاء تثبيت القلوب، فإن ما نراه أمامنا من مشاهد ومواقف متنوعة للبشر، تجعل أحدنا يقف مشدوهاً مصدوماً، حتى تجده بشكل تلقائي يردد دعاء تثبيت القلب، ليس لشيء إلا لأن المشاهد الواقعة والحاصلة الآن من حولنا صادمة وشديدة الفتنة، تجعل الحليم حيران. هذا ما يقودنا، ونحن في سياق الحديث عن الدعاء، أن نذكر بأهمية إحسان الظن بالله، ثم اليقين التام، وأحدنا يدعوه سبحانه، إنه يستجيب الدعاء بشكل وآخر، إما على الفور يوم الدعاء أو بالغد أو في وقت معلوم هو أدرى به سبحانه، طالما أننا نستجيب له ونطيعه ونؤمن ايماناً صادقاً به. إنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه، ويعطي السائل إذا سأله، ويغفر للمستغفر إذا استغفره، ويرحم طالب الرحمة إذا استرحمه، ويغني من يسأله من فضله ويغيث الملهوف، إلى آخر قائمة طويلة من الناس وتنوع مطالبهم وحاجاتهم. كل ما عليك في الأمر أن تكون صادقاً مع الله، تسأله دوماً وأبداً في السراء والضراء، وبكل إخلاص وصدق، وحسن ظن، وتمام اليقين بالإجابة، إنه معك ويجيب دعوتك عاجلاً أم آجلاً كما أسلفنا، فإن من أسمائه الحسنى، السميعُ العليم مجيب الدعوات سبحانه. ◄ اليقين بالإجابة والثبات على الحق مما سبق من مفاهيم خاصة بالدعاء كالصدق واليقين، فإنه يمكننا الانطلاق للحديث عن مفهوم متصل هو الثبات على الحق، الذي هو بكل تأكيد ليس بذاك الأمر الهين، ذلك أن التنظير في هذا الأمر أو الحديث فيه كتابياً، يختلف كثيراً عن فعل البقاء والثبات على الحق والتمسك به. وقد تستغرب ربما في حالات الهدوء والسكينة، وتتساءل عن السر في كثرة تعظيم البعض لأمر الثبات على الحق وأهمية التمسك به، وتتساءل عن هذا الإلحاح وهل هناك ما يدعو فعلاً إلى تكرار تلك النغمة؟. ◄ لنبحث عن الإجابة.. مع الأحداث اليومية وتنوع المواقف والتحديات أو الفتن - إن صح التعبير- ستدرك من فورك سبب ذاك التعظيم أو تكرار أمر الحق وضرورة الثبات عليه، فما إن تضطرب الأمور حولك وتختلف، وتنفتح أبواب الفتن من كل جهة، ستبدأ تعي الأمر وتتضح لك المشاهد. فماذا لو كنت أنت ساعتئذ وقد فاتك الوقت لإدراك نفسك والثبات على الحق في مواجهة الفتن؟ بل حاول أن تتصور نفسك وأنت تجد نفسك وقد صرت أحد المحاربين لذاك الحق الذي كنت تسمع بأهمية التمسك به في سالف الأيام، وكنت تعتقد سهولة التمسك به والبقاء عليه؟ أعتقد أن الصورة عندك الآن صارت غير واضحة بعض الشيء. ◄ إلام أريد أن أصل؟ أمر سهل يسير، وباختصار شديد، أدعو إلى ضرورة عدم ركون أحدنا أبداً إلى علمه وماله وحسبه ونسبه في مسألة الثبات على الحق، شواهد التاريخ أكثر مما يمكن كتابتها هاهنا، كان المتحولون عن الحق إلى الباطل في فترة ما من حياتهم، مع الحق قلباً وقالباً، يدافعون عنه ويدعون إليه في كل مناسبة، لكن بفعل ظروف حياتية معينة وقعت لهم أو حولهم، وجدتهم وقد كفروا بما كانوا عليه وانقلبوا على أعقابهم خاسرين، الأمر ليس بدعة وليس بالأمر الجديد في تاريخ البشر. ◄ فما العمل إذن؟ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، إنّ الصدق مع الله - وأحدنا يردد هذا الدعاء النبوي الكريم - أحسبه من أسباب الثبات على الحق بإذن الله، هذا واحد من شروط الثبات، الشرط الثاني يكمن في العمل الصادق الذي يؤيد ويجسد هذا الدعاء على أرض الواقع، فالدعاء بغير عمل صادق مخلص وصحيح، لا يجدي نفعاً، والتجربة خير برهان. نورد حديثاً من مصدر آخر حول المعنى نفسه، نعزز به ما بدأنا، فقد سأل أحد الصحابة أم سلمة رضي الله عنها: ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك؟ قالت: أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ثم قال: يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، ما شاء أقام وما شاء أزاغ. فإذا كان أكثر دعاء خير الخلق والبشر - صلى الله عليه وسلم – أن يثبت قلبه على الدين وطاعة الله، فما نقول نحن إذن؟ ألا ترى بأن الأمر يبدو غاية في الأهمية، بل والخطورة كذلك؟ لا أحد منا يضمن نفسه ما سيكون بعد حين من الدهر قصير. إن القلب ما نسميه قلباً إلا لأنه يتقلب ولا يستقيم على حال، كما قال بذلك أهل اللغة، قد تجدني اليوم غاية في الرضا عن أمر ما، فإذا بكلمة أو مشهد أو مشاعر متنقلة من هذا وذاك وتلك تؤثر علي، فيتراءى لي وجه جديد لذاك الأمر غير الذي عهدته، ليبدأ القلب إثر ذلك يستعد لرحلة انقلاب قريب أو تغيير تدريجي لبناء موقف جديد تجاه ذاك الأمر، فإن لم يكن بهذا القلب من شحنات وكميات كافية من اليقينيات والمثبتات، فإن رحلة الانقلاب على ذاك الأمر ستمر سريعاً سريعاً، ويتغير الموقف بالمثل سريعاً. ◄ لكن هل كل انقلاب للقلب سيئ؟ سؤال وجيه، وبالطبع الإجابة بالنفي، لماذا؟ لأن القلب إذا وجدته ينقلب أو ينتفض على أمور حياتية سلبية سيئة، فسيكون انقلاباً جميلاً محموداً بل ومرغوبا، لكن الطامة لو أن انقلابه كان على أمر في الدين، ها هنا يصبح القلب وانقلابه في خانة الشؤم والمشؤومين. هذا الحدث أجده في الختام يقودنا إلى مسألة حياتية مهمة، تتمثل في ضرورة الانتباه وقت صناعة مواقف حياتية معينة، بناء على مواقف وآراء الأحياء من البشر، علماء كانوا أم غيرهم، فإن أحدهم لا يؤمن عليه من الفتنة أو انقلاب القلب عنده، فتجد نفسك في حال فتنتهم وانقلابهم في حرج بالغ بسبب ذاك التغييرالذي حصل لهم، فتجد نفسك مضطراً إلى هدم ما صنعته من موقف أو مواقف، وبالتالي لابد وأن يدفعك هذا دوماً - إن شئت طبعاً في بناء وصناعة موقف شخصي لك - أن تختار المواقف السليمة الصحيحة بناء على قناعات واستنتاجات استلهمتها من مواقف أناس هم عند ربهم الآن، إذ من المؤكد أن مواقفهم لن تتغير أبداً. إنها إذن دعوة خالصة لعدم التشبث بأصنام أو أوثان على شكل بشر أو أقوال أو نظريات أو أفكار أوغيرها، وليحرص كل منا على أن يظل قلبه حياً واعياً حذراً من الميل والزيغ، وإن كثرة الدعاء والابتهال إلى مقلب القلوب، من أسباب الثبات والهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. [email protected]