29 أكتوبر 2025
تسجيللقاء نادر ذلك الذي جمعنا – عدد قليل من الإعلاميين وكتاب السطور من ضمنهم – بالملك عبدالله الثاني يوم الخميس الماضي لمناقشة الملفات الإقليمية والدولية، ومثّل اللقاء بالنسبة لي فرصة ذهبية للاستماع إلى الملك وهو يتحدث بعيدا عن الأضواء عن واقع عربي مرير. فالملك عبدالله يؤمن بضرورة التوصل إلى توافقات بين الدول العربية خاصة أن غموضاً غير مسبوق يكتنف المشهد برمته بعد أن تعددت مصادر التهديد للعمق العربي وباتت ميكنزمات عدم الاستقرار الإقليمي مهيمنة في هذا الجزء من العالم. لم أفهم من حديث الملك بأنه معني بالخلافات في الرؤى بين الدول العربية بقدر ما هو مهتم بخلق أرضيات مشتركة للدفاع عن العرب ومصالحهم. ولا يمكن بطبيعة الحال القفز عن مسألتين في غاية الأهمية: القضية الفلسطينية وضرورة التصدي للتطرف والإرهاب الذي بدأ يضرب بقوة. يؤكد الملك الذي التقى الرئيس ترامب في غير مناسبة بأن ما يسمى بصفقة القرن ما زالت أفكارا عريضة لم تعرض على الأردن ولا بأي وقت مضى، والحق أن أي حل لا يمكّن الفلسطينيين في إقامة دولة لهم مستقلة وعاصمتها القدس لن يفضي إلا إلى عدم استقرار، وهنا يؤكد الملك على موقف الأردن الثابت في دعم الاشقاء الفلسطينيين في ممارستهم حقهم في تقرير المصير وإقامة الدولة المنشودة. وبطبيعة الحال، يحتاج الفلسطينيون وقفة عربية موحدة إزاء القضية بعيدا عن التجاذبات والاستقطابات وبعيدا عن التوظيف الاقليمي للقضية الفلسطينية. بتقديري الشخصي أن الملك محق فيما ذهب إليه، وأضيف إلى ذلك أن هناك حالة من الانقسام الفصائلي الفلسطيني وهو انقسام تغذيه بعض الأطراف ما يلحق ضررا بالغاً في الموقف الفلسطيني. وكأن الانقسام الفلسطيني لا يكفي، فالخلافات العربية تكاد لا تبقي فرصة لخلق أرضية مشتركة للعمل للتخلص من آخر احتلال كولونيالي على وجه البسيطة. فالاحتلال البغيض بدأ يكشر عن أنيابه ويسن رماحه للانقضاض على فلسطين ارضا وشعبا، وما قانون القومية الجديد إلا احدى حلقات المشروع الصهيوني على ارض فلسطين. وعلى نحو لافت ومريب، ينشط ما اسماه الملك بالخوارج في محاولة النيل من استقرار الدول والإقليم معا. وبالفعل استهدفت هذه الجماعات الأمن الأردني الداخلي مؤخرا إذ نجح جهاز المخابرات العامة في جمع كافة المعلومات الدقيقة في وقت قياسي ما مكن الوحدة الخاصة بمكافحة الإرهاب من القضاء على هذه الخلية. والملك يدرك جيدا – أو هكذا فهمت – بأن التصدي لخطر الخوارج يحتاج إلى جهد إقليمي وهنا تأتي المعالجة الثقافية كإحدى آليات التصدي لهذه الظاهرة، وهي ظاهرة لم تنجح إلا في اضعاف العرب في وقت هم أحوج فيه إلى المنعة والجاهزية والقوة. لهذا السبب يرى الملك عبدالله بأن أمن الأردن جزء أساسي من الأمن العربي، وهنا تبرز الحاجة لمزيد من التنسيق والمشاورات. بتقديري أن هناك حاجة ملحة لحل الخلافات العربية ضمن أطر معروفة بما يخدم مصالح الجميع، ولم يعد بعد اليوم دس الرؤوس في الرمال لأن دولا أخرى غير عربية وعلى رأسها إسرائيل تحقق اختراقات في الإقليم. ولعل أهم ما فهمته من اللقاء أن الأردن يعلي قيمة التعاون العربي والتركيز على ما هو مشترك لتحصين المنطقة من قوى خارجية ومن الخوارج حتى لا ينالوا من المنجز الوحيد للعرب في القرن الماضي وهو الدولة. خرجت من اللقاء حائراً، لماذا لم ينجح العرب لغاية الآن في الخروج من اللعبة الصفرية في العلاقات الثنائية! كيف لا يمكن طرح الخلافات جانبا والعمل سوياً لصالح قضايانا القومية والمشتركة والانسان العربي؟! كان الملك في اللقاء دبلوماسيا وكعادته دمثاً، غير أن الأخطر يكمن فيما لم يقله الملك ونعرفه نحن وهو أن الزعامات العربية تقارب قضايا الهم المشترك بأولويات مختلفة.