18 سبتمبر 2025

تسجيل

الذرات أم المجرات؟!

20 أغسطس 2015

تخيل معي المشهد الآتي: تعيش مع غيرك على هذه الأرض وتجد الأشياء بأحجامها كبيرة نسبة إلى حجمك، تجد العقارات الكبيرة والمباني الشاهقة والجبال العظمية والسيارات الفارهة والأشجار والبشر والكثير والكثير من الجمادات والأحياء حولك. تلتفت هنا أو هناك لتجد بشراً يتنازعون ويختلفون ويتقاتلون على قطعة أرض مساحتها ألف متر مربع أو أكثر من هذا على سبيل المثال.. فتدعهم ثم تواصل التأمل والنظر، فتذهب إلى أي برج أو ناطحة سحاب لتنظر إلى الأسفل لتجد الجمادات تلك على الأرض من سيارات ومبان وشوارع وكذلك أولئك المتنازعون وقد تضاءلت أحجامها وصغرت.. وهكذا تصغر المرئيات، حين تصعد إلى طائرة لسفر بعيد، وأنت على ارتفاع خمسة وثلاثين ألف قدم أو أكثر، فتنظر إلى الأرض مرة أخرى، فماذا تجد؟ أجسام وأحجام صغيرة للجمادات والأحياء الأخرى.. الجبال العظيمة تراها كقطع مبعثرة أو متلاصقة شبيهة بألعاب الأطفال في بيتك، والغابات تراها كقطع صغيرة من السجاد الأخضر، والأنهار العظيمة تراها خطوطاً شبيهة بتلك التي يرسمها الأطفال.. فيما السيارات والقطارات والبشر لا تراهم بالأصل مهما حاولت.. لنعود إلى البداية مرة أخرى.. حاول أن تنظر من ذاك الارتفاع إلى قطعة الأرض التي كان البشر يتنازعون عليها هناك بالأسفل. لن تجدها سوى مساحة صغيرة جرداء لا ملامح لها ولا تتعدى مساحتها مليمترات مربعة.. فربما قلت لنفسك: يا سبحان الله. هل يتقاتل البشر على هذه النقطة؟ كيف إذن لو ارتفعت بنا الطائرة لتخرج من الغلاف الجوي ؟ كيف ستبدو تلك المساحة المتنازع عليها؟ بل قل كيف سترى كوكب الأرض؟ ارتفع أكثر وابتعد، على افتراض إمكانية ذلك.. ماذا سترى؟ سترى هذا الكوكب الجميل عبارة عن نقطة ضئيلة سرعان ما تختفي بعد حين من الزمن حين تبتعد وتسبح في هذا الفضاء الرهيب المتمدد، والذي ما زال يتمدد ويتسع إلى ما شاء الله له أن يتسع.. وأنت تبتعد أكثر فأكثر، لن تصدق ما تراه أمامك.. المجموعة الشمسية العظيمة تبدو لا شيء بالنسبة للمجرة التي تنتمي إليها مجموعتنا الشمسية، بل قد تتساءل: وما هو حجم هذه المجرة بالنسبة للكون؟ لا شيء، بل إنه شيء رهيب لا يصدق.. تنزل إلى الأرض فترى أولئك البشر على نزاع مستمر، فتتعجب وتقول: ما بال أقوام يتنافسون على ذرات بل أقل حجماً ويتركون مجرات ؟ هل يعي هؤلاء وغيرهم ما تعنيه آية كريمة في القرآن تصف جنة عرضها السموات والأرض، لتترك لنا وقوة خيالنا لنتصور طولها ولن نقدر حتى على التخيل والتصور !! ألا تستحق مثل هذه الجنة أن نتنافس على موجوداتها والمساحات الشاسعة فيها بدلاً من ذرات كوكبنا التي ما تزيدنا نزاعاتنا عليها غير تخسير؟ تدبّر الأمر وتأمل بعض الشيء وانظر ماذا ترى.