16 سبتمبر 2025

تسجيل

خيارات الحرب إسرائيلياً وإيرانياً وسورياً

20 أغسطس 2012

تقف المنطقة العربية حالياً على شفير حرب تسعى إليها إسرائيل لضرب إيران وبرنامجها النووي، وحرب أخرى يرى النظام السوري أنه يحتاجها للخروج من مأزقه الداخلي، والأرجح أن هاتين الحربين تلتقيان في لبنان، فالمخطط الإسرائيلي يتحسب لرد فعل "حزب الله" إذا ضربت إيران، وتمنيات النظام السوري تعتبر أن انشغال العالم بتلك الحرب يفسح له المجال للإجهاز على المعارضة وقواها العسكرية ويستعيد بالتالي قدرته على الحكم وقيادة "حل سياسي" للأزمة. العقدة بالنسبة إلى إسرائيل هي إقناع الإدارة الأمريكية بالموافقة على الانخراط في مشروعها، والإدارة لا تعتبر الأمر ثنائياً بينها وبين إسرائيل، بل تأخذ في الاعتبار آراء الحلفاء الأوروبيين الذين يشاركون حالياً في نهج العقوبات والمفاوضات مع إيران ولا يرغبون إطلاقاً في إشعال حرب جديدة قد تذهب بأسعار النفط والغاز إلى مستويات غير مسبوقة، فضلاً عن أن أي خطط عسكرية مسبقة لا تستطيع التحكم بنهاية محددة لحرب كهذه، ولا يبعد موقف الحلف كثيراً عن موقف البيت الأبيض، الذي لم يتلق بعد أي إشارة أو إنذار من البنتاجون لوضع خيار الحرب على الطاولة وبته قريباً. وحتى في إسرائيل نفسها لم يبد أن المستوى العسكري ملح على تفعيل العمل العسكري الآن ضد إيران، إلا أن المستوى السياسي وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع أيهود باراك لم يتوقف طوال الشهور الماضية عن التلويح بهذه الورقة لأسباب عدة، أهمها.. أولاً: إبقاء الضغوط قائمة على باراك أوباما بعدما استشعرت إسرائيل أنه يستبعد الخيار العسكري مؤقتاً ولن يذهب إليه إلا إذا اقتضته الظروف. ثانياً: إن ظروف الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وفتح بازار المزايدة بين الحزبين المتنافسين تشكل فرصة مناسبة لدفع الابتزاز إلى أقصاه، فإذا أفلح في إشعال الحرب المتوخاة تحقق إسرائيل هدفها، وإذا لم يفلح فإنها تضمن أن تحقق مكاسب تعذر عليها نيلها في السابق، ولعل السبب الثالث أن إسرائيل تمر بمصاعب داخلية وتريد حكومة نتنياهو الهروب منها إلى الخارج، ثم إنها ترى ضرورة لتغيير الوقائع على الأرض استباقاً لنتائج التغيير الحاصل في سياق "الربيع العربي" وصعود التيار الإسلامي. وفي إطار المنازلة التفاوضية الدائرة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، رأينا أن واشنطن اضطرت خلال أسبوع واحد إلى إيفاد مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع وقائد القوات الأمريكية في المنطقة لترشيد الخطاب الحربي الإسرائيلي والتشديد على عدم التفكير إطلاقاً بحشر الولايات المتحدة وإرباكها، وبالتالي عدم التعويل على ضربة أولى إسرائيلية يعقبها تلقائياً تورط أمريكي مباشر في الحرب. كان ذلك قد تزامن مع زيارة منافس أوباما المرشح الجمهوري ميت رومني لإسرائيل وإدلائه بسلسلة تصريحات غبية تشجع على الحرب، وقد ترجم الثنائي نتنياهو – باراك هذا التزاحم عليه بتصعيد نهج الابتزاز، مقترحاً طي تلويحه بالحرب مقابل تعهد أوباما خطياً بمهلة زمنية محددة وقريبة يصبح العمل العسكري بعدها خياراً وحيداً للتعامل مع إيران. ويتداول الطرفان حالياً صيغاً لهذا التعهد، وقد رفض "الإسرائيلي" عدداً منها لأنه لم يلمس فيها التزاماً واضحاً. رغم مواقف كثيرة أبداها عسكريون سابقون أصبحوا ساسة، ومنهم شاؤول موفاز، محذرين من ارتكاب الخطأ الاستراتيجي سواء بإشعال الحرب من دون إرادة واشنطن أو بممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية خلافاً للتقاليد المتبعة بين الحليفين، وجد الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز نفسه مضطراً لتجاوز صلاحياته، إذ تدخل في الجدل قائلاً بشكل حاسم إن إسرائيل لا تستطيع مهاجمة إيران من دون الولايات المتحدة، وردت عليه أوساط نتنياهو منبهة إلى أن منصبه الشرفي لا يخوله الإدلاء بمواقف تتناقض مع سياسات رئيس الوزراء، لكن استطلاعاً للرأي كان أظهر أن غالبية الإسرائيليين لا يؤيدون قراراً بالحرب، ثم إن معظم المعلقين كتبوا يدعون نتنياهو إلى "ضبط النفس"، غير أن الأخير لن يتأثر بالانتقادات، فهو حالياً يخوض حرباً لترويض أوباما، أما الحرب على إيران فهي ليست مبرمجة لما بعد غد، أي أنه يستطيع مواصلة التهديد بها لعله يتمكن من ترجيحها في غضون الشهور الثلاثة المقبلة. يعرف الاستراتيجيون أن كثرة الجدل حول حرب، خصوصاً بين طرفين حليفين بالضرورة، لا تعني سوى أن هذه الحرب غير مرجحة، إذ لم تنضج ظروفها، وبالنسبة إلى إدارة أوباما ثمة أمر لا يمكن تجاهله، وهو أن هذه الحرب تتطلب أولاً أن تكون قراراً أمريكياً، وثانياً تحضيراً للحلفاء والأصدقاء، ما يعني أنها لا يمكن أن تكون قراراً لنتنياهو، كما يدعي، لكن كيف يمكن أن ينعكس حديث الحرب هذا على الأزمة السورية؟ إذا كانت إيران هي التي تتعرض لضربة عسكرية فإن هذا يلزم النظام السوري، مبدئياً بالوقوف إلى جانبها مع "حزب الله". لكن أوضاع هذا النظام لن تمكنه من المساندة، وكل ما يأمله أن تساعده الحرب على سحق الثورة الشعبية، وهذا أيضا لم يعد خياراً واقعياً.. عدا ذلك، تظهر المعلومات المتداولة أن إسرائيل تخطط للحرب على إيران معتبرة أن سوريا باتت خارج المعادلة، حتى لو كان معظم جيشها غير مشارك في المعارك الداخلية. قصارى القول إن الحرب خيار موجود، لكنه غير محسوم، لذلك تجد إسرائيل أن المتاح أمامها استغلال التهديد في اتجاهات شتى، من دون أن تتمكن الولايات المتحدة من ضبطها، أما في ما يتعلق بتمنيات النظام السوري، وبتوعده ب"إحراق المنطقة"، فإنه لا يستطيع ذلك من دون إيران، ولا شك أن إيران تدعمه بكل الوسائل، أما افتعال حرب من أجل إنقاذه فهذه قصة أخرى.