26 سبتمبر 2025
تسجيلهل إذا رحبت دول العالم ذات الصلة بالقضية السورية اليوم بما فيها سورية بتعيين بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي مبعوثا دوليا خلفا لكوفي عنان المستقيل يعد كافيا للسير باطمئنان لحل لغز المأساة الملهاة التي ما زال الشعب السوري المصابر يتعرض لها بكل مرارة ودون أن يستيقظ الضمير العالمي على حال يمكن أن يعتبر فيها مسؤولا حقا عن صيانة حقوق الإنسان في سورية فيتدخل عمليا وبكل شفافية لحماية بلد عضو في المجموعة والأسرة الدولية دون التمترس خلف المصالح والمنافع التي باتت مكشوفة النوايا على حساب الدماء الزكية التي تجري دون انقطاع في أي لحظة ولا حتى في الأوقات المقدسة دينيا وعرفيا كرمضان بل ليلة القدر وأيام العيد، ويكفي أنه استشهد في رمضان أكثر من 5000 آلاف شخص وفي أول يوم العيد أسرع الناس لشراء الأكفان بدل الثياب الجديدة لأطفالهم وبدل أخذ الحلوى أخذوا يبحثون عن أكياس الدم حيث استشهد أكثر من 140 شهيداً! هكذا وكأن العالم كله لا يدرك مدى قدسية هذا الزمن ويسمح بشكل أو بآخر للانظام السوري أن يستمر في قتل شعبه ودون مراعاة حتى الوصول إلى هدنة مؤقتة ليلتقط هذا الشعب شيئا من أنفاسه أو ليرتب بعض أوجاعه الإنسانية أو ليستغلها حتى للهروب إلى البلاد المجاورة خوفا من المجازر التي زرعت الخوف والهلع عند الجميع، إن هذا المجتمع الدولي يعرف تماما أنه لو توصل مع حكام دمشق الطغاة إلى مثل هذه الهدنة المؤقتة وتوقف العنف والقتل فإن هؤلاء سيزولون بأقصى سرعة لأن ملايين السوريين سيخرجون لو توقف القتل بمظاهرات ضد هذه العصابة المجرمة حتى تسقطها تماما، ولكن لأن خيوط المؤامرة لابد أن تحبك تماما للحفاظ على أمن إسرائيل وحكومة دمشق ما هي إلا أداة لذلك فإنها لن تفعل شيئا ذا بال لإيقاف هذا القمع الوحشي ضد الشعب، وكأنها تعلن: ليذهب الشعب السوري إلى الجحيم، والذي يدل على ذلك أن القتل قد تفاقم والمجازر قد استفحلت حتى بوجود كوفي عنان الموفد الدولي السابق ومراقبيه الدوليين إلى أن استقال مصرحا بأن المجتمع الدولي لم يقف معه بقوة ولم تمارس الضغوط وسحب الأسلحة الثقيلة وضمان التظاهر السلمي إلى غير ذلك من البنود الستة التي اعتمدت في خطة عنان ولكنها بقيت طول مدة متابعته حبرا على ورق. ولعل الطفل الصغير بات يدرك أنه ما لم يتمتع المجتمع الدولي ومجلس الأمن فيه بإرادة حقيقية لحل القضية فإنها ستبقى مراوحة مكانها وسيظل الشعب وحده هو الضحية التي لا مدافع عنها وهنا يحق لنا أن نتساءل ما الذي سيحقق الأخضر الإبراهيمي كموفد جديد لمعالجة الأزمة إذا لم يمنح الصلاحيات المؤثرة على وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها دون مراوغة ولا مخاتلة ولا لعب على الحبال، بل بدبلوماسية تظهر الموقف الجريء التاريخي حيال الجلاد والضحية لينسجم العمل بين هذا الموفد والأطراف الدولية التي رحبت بقبوله مبعوثا متحركا متحرقا لحلحلة وتفكيك طلاسم هذه المعضلة المعقدة بما يتمتع به من حنكة وتجارب سابقة في أوضاع مماثلة في العالم كما يقولون لقد أكد بان كي مون أنه لابد للمجتمع الدولي أن يقدم الدعم القوي الواضح والموحد للإبراهيمي تسهيلا ً لمهمته وإنجاحها، ولكن أليس كي مون قد تحدث مثل ذلك كثيرا قبل وأثناء تسلم كوفي عنان للمهمة نفسها ثم ماذا كانت النتيجة، إن الإرادة والإدارة للحل مفقودتان لدى أصحاب القرار إما لأن نفوذهم سوف يتأثر سلبيا أو لأن البديل غير مناسب لهم كما صرحت روسيا وإيران وكما يبدو من مواقف الغرب وعلى رأسه أمريكا التي باتت كما كانت ألعوبة وأضحوكة بيد إسرائيل تفعل بها ما تشاء وما قول هيلاري كلينتون موجهة كلامها مؤخرا ً للسوريين: لستم وحدكم إلا ذراً للرماد في العيون فلا هي ولا أصدقاء سورية كلهم يفعلون شيئا مهما لإنقاذ الشعب الذبيح ولم يعينوا حتى الآن في ترتيب مناطق عازلة لحماية المدنيين ولا بالتحرك لمباشرة حظر جوي صونا للناس وممتلكاتهم من القتل والدمار علما بأن مسلسل الإجرام يجري عداده بكل قوة من قبل العصابة في دمشق وتعززه إيران وروسيا والصين والعراق بسائر التدخلات المباشرة ماديا وتقنيا دون أن يوقف أحد هؤلاء عند حدودهم حتى أصبحت سورية محمية من محمياتهم بوجه ظاهر مبين ولذلك فإنه لن يجدي أن يقبل الإبراهيمي هذا التكليف وهو ما زال غير واثق ومتشككا حيال وضع حد وحيازة فرصة لإنهاء النزاع ولا يمكن لغير الواثق أن يقود الآخرين ويلهمهم الثقة كما يقول هوراس أي سيصب على الشعب السوري داء القلق ويشعره أن القتل فيه سيزداد، ولا يكفي أن يصرح الإبراهيمي إثر إسناد المهمة إليه أنه لا أزمة بلا أمل لأن التفاؤل أمام وضع ميؤوس منه سيكون في غير محله، طبعا نحن لا ندعو إلى التشاؤم ولكننا نريد من الإبراهيمي أن يدرك حقيقة الصراع في سورية وأنه طائفي بامتياز من قبل العصابة الأسدية التي تأسست على هذا المحور في حكمها منذ أكثر من أربعين سنة، بحيث إنه بات مسلّماً لدى الشعب أنه لن تتحرك الأزمة قيد شعرة للحل دون تنحي بشار الطائفي، ولعل الإبراهيمي يكون حكيما فيدرك أن من أهم المهمات تنحي الأسد وأركانه عن القيادة والانتقال المدروس للسلطة ليذهب الاحتقان من الشعب، وإلا فإنه سيعيد سيرة عنان ولن تحل الأزمة أبداً تحقيقا لرغبة الشعب الثائر في سورية، إننا لا نريد لبننة المشهد السوري، ومن المعروف كيف تدخل الإبراهيمي للتسوية الفاشلة في لبنان أواخر الثمانينيات لإنهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف كما أننا لا نريد عرقنة المشهد السوري ولا أفغنته ولا صوملته بل إيقاف الإبادة الجماعية ومحاكمة المجرمين ونرى أن يكون الإبراهيمي في المشهد اليوم عارفا بأن بشار الجزار مفلس حقيقي وهذا شأن من يعمل على إذكاء الحريق لا إطفائه وخصوصا بعد ما جنّ إذ انفلتت منه كثير من مقاليد حكم البلاد كما يشتهي كما أن الإبراهيمي الذي كانت بيده مهمة إنهاء النزاع في هايتي وجنوب إفريقيا وصولا إلى أفغانستان والعراق يجب أن يكون رجلا جريئا في تعاطيه مع أصحاب القرار منذ البداية وإلا فليحاول قليلا فإذا ساءت البداية ساءت النهاية وليستقل كما استقال عنان أشرف له من محاكمة التاريخ والضمير. ولئن كان الإبراهيمي متمرسا بعلاقاته الوطيدة ومناصبه في الأمم المتحدة من جهة وكذلك في الجامعة العربية على مدى سنين فليستغلها لصالح الشعب المظلوم لا لتمكين الحاكم الظالم وإلا فوجوده كعدمه بل سيجر علينا مصائب عظيمة في إضاعة الوقت وإعمال المذابح دون جدوى وإن الإبراهيمي الذي هو عضو في لجنة الحكماء التي تعتبر مجموعة مستقلة من زعماء العالم تأسست منذ عام 2007 لصيانة حقوق الإنسان وقد كان زار سورية وغزة ومصر والأردن عام 2010 في مهمة من لجنة الحكماء للنهوض بالسلام في الشرق الأوسط عليه اليوم وهو منذ اندلاع الثورة في سورية لم نسمع منه كلمة حكيمة في المشهد أن يقولها صريحة بأنني موفد دبلوماسي وحكيم لا يمكن أن أضع يدي في يد القاتل وأكون ضد المقتول إننا نعتقد أنه لو تحرك في هذا الإطار فإنه سينجح ويرضي ضميره وإلا فإن الشعب السوري وأحرار العالم لن يغفروا له أي جنوح عن الحق باسم الدبلوماسية الذكية.