12 سبتمبر 2025

تسجيل

إنه الرويبضة

20 يوليو 2020

قال ابن منظور رحمه الله "الرويبضة هو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والغالب أنه قيل للتافه من الناس لربُوضِه في بيته، وقلة انبعاثه في الأمور الجسيمة"، وقال ابن الأثير - رحمه الله - "الرويبضة تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة، والتافه: هو الخسيس الحقير". وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله - "قالوا: هو الرجل التافه الحقير ينطق في أمور العامة، كأنه ليس بأهل أن يتكلم في أمور العامة فيتكلم"، وقال أحمد بن فارس - رحمه الله - "فَأَمَّا الرويبضة، الذي جاء في الحديث "وَينْطِقُ الرُّوَيْبِضَةُ"، فهو الرجل التافه الحقير، وَسُمي بذلك لأنه يربض بالأرض، لِقِلَّتِهِ وحقارته، لا يُؤْبه له". ولكَ أن تقف عند هذه المعاني بكل هدوء ولا تجني على أحد، وتسقطها على الواقع، فسترى الواقع يُصدقها بدون أدنى شك ومن غير تبرير. ولقد جاء وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - له بعدة أوصاف، تدل على أن الرويبضة قد جمع من الحقارة والنقص والخسة والنذالة، بأنه "السفيه"، "الفويسق"، "التافه". "والسفيه: هو الذي لا عقل له، أو ناقص العقل الطائش، والفويسق: تصغير فاسق "وهو تصغير للتحقير"، وهو الإنسان الفاجر العاصي الخارج عن طاعة الله، والتافه: هو الحقير الذي لا مقام ولا قدر له، ولا وزن له". وفي عصرنا يحمل "الرويبضة" الكثير من الشعارات بل هو في كل واد يهيم، وينعق كنعيق الغربان، من التطاول على الحق وأهله، ومن التدليس والكذب، ومن الافتراء، ومن الغدر اليوم معك وغدا يغدر بك ويلفق لك التهم، بل ويحاصر الشقيق له، ويضع يده ويتاجر مع كل عدو لئيم، بل ويتجاوز كل الحدود، من التطاول على الأعراض ومن إشاعة الفواحش، وقتل للعفة في المجتمع، ومن تمرد على ثوابت ومبادئ الإسلام والشرع الحكيم، وعلى هتك منظومة الأخلاق التي عرفها المجتمع، ومن نشر الخراب والدمار واستباحة دماء الناس في بلاد شعبها الحرية والعدالة، المهم عنده ألا يحكم الإسلام فيها. فالرويبضة يفرح إذا هتكت القيم، ويحزن ويتضجر وينتفض إذا انتصر الحق في مكان ما، وأكبر دليل، عندما رجع جامع آيا صوفيا تقام فيه الصلاة ويرفع فيه "الله أكبر"، فالكل سمع وقرأ ماذا فعل الرويبضة حينما عاد مسجد آيا صوفيا إلى مكانه الطبيعي، وله أبواق من خلال منصات التواصل، والذباب الإلكتروني بقذارته وأوساخه، وأفاع تتحرك في كل حدب وصوب تبث سمومها من على شاشات الفضائيات. والرويبضة إذا لم تستجب له وتكن معه وتصفق له، وتلب طلباته، يسجنك ويلفق لك التهم، ويتطاول عليك بأي صورة من الصور، ولا نجد ما يُعبر به عن الرويبضة إلا ما قاله الشاعر: خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتــدِ وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ حكمَ الرويبضةِ المذكورِ في السنَدِ فكم شجــاعٍ أضـاع النـاسُ هـيبتَهُ وكـمْ جـبانٍ مُهـابٍ هــيبـةَ الأسَـــدِ وكم فصــيحٍ أمــات الجهلُ حُجَّتَهُ وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَــدِ وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ وكم وضـيعٍ غــدا في أرفعِ الجُــدَد دار الزمان على الإنسان وانقلبت كــل المــوازين واخــتلــت بمسـتند ومضة حينما تستأسد الضفادع يخرج وينطق الرويبضة، ويتحرك ليسجن الأسود! ثم يسرح ويمرح ويفرح ويرفه عن نفسه كما يشاء، ويشوّه كل ما هو جميل في الحياة وحركتها، ألا ساء ما يعملون، ألا إنه الرويبضة!. [email protected]