11 سبتمبر 2025
تسجيلتمخض الجبلُ وولد فأرًا، وكذلك الحال مع اجتماع دول حصار قطر الأربعة الداعمة للإرهاب -وفقا لمذيعة إحدى القنوات المصرية- بالعاصمة "القاهرة" الذي سار في مخاض عسير، ولد بعده بيانًًا هزيلًا ضعيفًا، ربما كان متأثرًا بالجراحة الأمريكية لإنهاء المخاض بعملية قيصرية تنقذ الجنين وأمه من الموت المحقق. فالبيان بصياغته الركيكة، ومضمونه الخاوي لم يرقَ إلى مستوى الطموح المشبع بأفكار ومصطلحات التصعيد، والتهديد والوعيد، والمُنبئ بإعلان الحرب المقدسة على قطر من قبل دول الحصار. ولذا، فكان البيان مفاجئًا، وغير ملبٍ لرغبات الصحفيين الحاقدين المتشمتين بدولة قطر وأهلها. فبعد انتظار طويل مشوب بالرغبة الجامحة لسماع لهجة تأديبية قوية غليظة ضد قطر، ولساعات طويلة، وتأجيل تلو التأجيل، وتصبير تلو التصبير، وتهدئة نفوس ملت وضجرت من طول الانتظار، يظهر وزراء خارجية دول الحصار متعثري الخطا، مكفهري الوجوه، مرتبكين حيارى، ينظر كل منهم من طرف خفي، ويناظر كل منهم الآخر، ويدعوه للبدء بالحديث، وقراءة البيان الختامي للاجتماع التمهيدي -وفقا لإشارة الوزراء أنفسهم- والذي لم يخلص إلا إلى جملة مفيدة واحدة، تفيد بأن الرد القطري على مطالبهم كان سلبيا، فخانهم التعبير، وتعثرت كلماتهم، فتمتم أفصحهم لسانا، وثارت ثائرة بعضهم، وتهته وتلعثم البعض الآخر. فجملتهم المفيدة ضعيفة تفتقر إلى الحجة والبرهان، ولا تستند إلى مبدأ أو حقيقة. وماذا يعني أن رد قطر كان سلبيًا؟ وكيف يفهم مصطلح «سلبي»؟ وغيرها من الأسئلة، فالجملة مطاطة عامة عائمة لا يعرف لها أول ولا آخر. فالموقف بأكمله، والاجتماع بموضوعه المؤرق لمضاجع المجتمعين، ومحاوره النقاشية، وتجاذباته السياسية، وأديولوجيته الفكرية، ونتائجه الهزيلة، يثير الكثير من التساؤلات الموضوعية المتعلقة بعدة أمور مثل: مقر الاجتماع، تأخير بيانه الختامي، ومدى تأثره بالعوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية، والإقليمية والعالمية، وعلاقته بمكالمة ترامب الهاتفية مع نظيره المصري الرئيس/ عبدالفتاح السيسي في لحظاته الأخيرة، وعلاقة البيان بالرد القطري على مطالب دول الحصار. فالسؤال الأول هو: ما سبب اختيار مصر مقرا للاجتماع ما دامت الأزمة خليجية، ولا ينبغي أن تخرج عن إطار مجلس التعاون الخليجي وفقا لتصريحات وترديدات الوزير الجبير في أكثر من مناسبة؟ أم أن مصر خليجية ونحن لا نعلم، أم أن قرار الانعقاد اتُخذ بناء على طلب الرئيس السيسي؟ وأسئلة كثيرة حول مكان الاجتماع لم تكن لها أية إجابة شافية. أما فيما يتعلق بالأسئلة المنطقية الأخرى، فيمكن حصر إجابتها في الحيرة من الرد القطري على مطالب دول الحصار. فلنأخذ على سبيل المثال، عدد مرات التأجيل وتأخير البيان الختامي، فكم مرة تأجل إعلان البيان الختامي، ولماذا تأخر الإعلان، وغيرها من الأسئلة والتساؤلات. فالإجابة في الواقع تتمحور حول الرد القطري على المطالب، ففي الواقع كما يبدو أن الرد القطري كان قويا متماسكا لم يترك شاردة ولا واردة، حيث تناول كل المطالب بالدراسة والتفنيد والتمحيص وفك الرموز والشفرات المتعلقة بكل مطلب، والرد عليه بمنطق وموضوعية مدعمة بالحجج والبراهين المقنعة لمن أراد أن يقتنع. وهذا بحد ذاته كما يبدو منطقيا ومدركا من قبل الحكماء، والعقلاء، وأولي الألباب، ومحيرا في الوقت نفسه لمتصيدي الأخطاء، والباحثين عن ثغرات تتيح لهم الفرصة للهجوم والاتهام بالباطل. فالرد القطري كما يبدو خلا من هذه الفرص والثغرات وأغلق الأبواب على وزراء دول الحصار، وحصرهم في زاوية المنطق والعقلانية الضيقة، وفوت عليهم فرص التفسير والتبرير والتأويل وقلب الحقائق. فهزالة البيان الختامي ربما يكون -على الأرجح- ناجما عن الحيرة وعدم القدرة على تصيد الأخطاء في الرد القطري، ولذلك، فلابد من وصفه بالسلبي. وبناءً عليه، فلا يمكن في هذه الحالة تحميل رسالة ترامب مسؤولية ضعف البيان الختامي، والارتباك الذي ظهر به وزراء خارجية دول حصار قطر، بل ربما اُستغلت الرسالة الهاتفية تلك لتكون الشماعة التي تعلق عليها حيرة الوزراء وارتباكهم وضعفهم أمام جمهور الصحفيين المتعطشين لسماع ما أرادوا سماعه في البيان الختامي، وفي المؤتمر الصحفي المرافق لذاك البيان الهزيل. فرسالة ترامب في هذه الحالة هي المنقذ للموقف، والمخلص من الحيرة التي انتابت الوزراء نتيجة لصلابة وقوة الرد القطري على مطالبهم الاستفزازية كما أشار وزير الخارجية الألماني سابقا. ولذا، فالانتظار، وتأجيل البيان الختامي مُبرر. وفي النهاية، الوزراء مهزومون محرجون أمام جمهورهم، ولذا، فلابد من تغيير نظرة الجمهور، واستعادة ثقته بشكل أو بآخر. واستمرارًا للاستكبار والمكابرة، ومواصلة الجهود المضنية للخروج من المأزق الحرج لحماية ما تبقى من ماء الوجه، والعمل على امتصاص غضب الجمهور المؤيد، وتحقيق الذات، سارع وزراء دول الحصار إلى عقد اجتماع آخر في جدة بالمملكة العربية السعودية في اليوم التالي مباشرة لرفع وتيرة اللهجة التصعيدية، والتغطية على ضعف بيان القاهرة الختامي، وهزالته الواضحة الجلية. فكانت الطامة الكبرى، وهي تعنت زائد، وعدم اعتراف بموضوعية رد قطر على مطالبهم اللاعقلانية المنتقدة من قبل معظم الدول الكبرى مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا، مع العلم أنهم متفقون في اجتماع القاهرة على تكملة اجتماعهم في المنامة لاحقا بعد بضعة أيام. ولكن للأسف تبين أن الوزراء نتيجة لعدم رساخة موقفهم يكابرون ويتزمتون ويتهمون الآخرين بعدم العدالة والموضوعية والانحياز لقطر مثلما أظهر إعلامهم في الفترة الأخيرة باتهام وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بعد جولته المكوكية في المنطقة بانحيازه إلى قطر، ولم يفكروا ولو للحظة واحدة بموضوعية موقفها العقلاني من مطالبهم غير المنطقية والعقلانية، فقد كان تيلرسون وغيره من وزراء خارجية الدول الأوروبية مقتنعين بعدالة القضية القطرية، وصواب موقفها، وعدم وجود ما يدل على اتهامها بالإرهاب المزعوم. ولذا، فعلى دول الحصار مراجعة مواقفها، وتحكيم العقل، والرجوع إلى الصواب، والعمل بجد على حل الأزمة المؤرقة للمضاجع قبل فوات الأوان، فالكل خاسر من استمرار هذه الأزمة، وليس هناك رابح غير الخصوم والأعداء، فلِمَ لم نحسم أمرنا فيما بيننا، ونفوت الفرص على غيرنا من الأعداء والمصطادين في الماء العكر.